في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كنا نتابع الأفلام والمسلسلات الأمريكية بشغف، خاصة المسلسلات التي كان بعضها يحوي تقنية الخيال العلمي والفنتازيا ما لا يصدقه العقل. واليوم نشهد على أرض الواقع ما كانت تعرضه تلك المسلسلات سواء كانت أحداثاً أو آلات.. فهل كان إعلامهم ترفيهاً أم كان استشرافاً متعمقاً للمستقبل، تحوَّل مع الوقت إلى صناعة؟. ومقارنةً بما قدمه التلفزيون السعودي من برامج محلية ومسلسلات منذ بدايته عام 1385ه إلى يومنا هذا، نجد أننا لا زلنا في مرحلة الترفيه ليس إلا، وأعني المسلسلات التي سلطت الضوء على عرض سلبيات مجتمعنا، سواء كان ذلك في أنماط الشخصيات أو البيئة، فغالبها حصرت مشاهد المجتمع السعودي في صورة المواطن الذي لا يملك إلا بيتاً قديماً متهالكاً وأثاثاً وديكوراتٍ عفا عليها الزمن في مشاهدَ ملّتها ذائقة المشاهد، فانصرف عن قناتنا المحلية إلى القنوات العالمية؛ لما فيها من خلق العوامل التي تجذب المتابع لها. إن المتتبع لتاريخ التلفزيون السعودي يشهد أنه يُلاحق التطور المحموم ليصل إلى ما كان يطمح إليه المشاهد، ولكن يبقى أن نقول كلمة الفصل في هذا التاريخ. بعد 53 عاماً، هل يقر أحدنا أن إعلامنا المحلي المرئي تحوَّل إلى صناعة!؟ على قناة ال MBC يُعرض الآن مسلسل CUT، ويقوم ببطولته شباب سعوديون واعدون، وتدور قصته حول يوميات طلاب سعوديين يدرسون السينما في هوليود، والمسلسل يُعرض بأسلوب سلس ومشوق في إخراج أراه مضاهياً للمسلسلات الأمريكية.. وكذا البرنامج الرياضي المشوق «باب واحد» والمختلف كليّاً في أسلوب طرحه عن البرامج الرياضية الأخرى، والذي بلغ نسبة مشاهدة عالية من الجنسين على حدٍّ سواء. وكذا برنامج «معالي المواطن»، الذي يناقش هموم المواطن في طرح شفاف لم يسبق له مثيل، ليس في هذا تقليل من شأن ممثلينا أو البرامج ومقدميها في قنواتنا المحلية، ولكن ماذا ينقصنا حتى نصل إلى الجذب الكبير الذي وصلت إليه مسلسلات وبرامج ومقدمو تلك البرامج عبر تلك القنوات؟.. لسنا بحاجة إلى معجزة كي ننتشل قناتنا المحلية من التجمَّد الذي ركنت إليه، فلدينا من المقومات البشرية والمادية ما نُضاهي به مستوى الإعلام العالمي، ولكن تنقصنا العقول التي تعرف كيف ومتى وإلى أين تأخذه. مرصد.. ليس لأن العالم أصبح مفتوحًاً أمامنا عبر قنواته، وليس لأن إعلامنا المرئي وقف مكتوف الأيدي أمامه، ولكننا وعلى مشارف الرؤى الواعدة نطمح إلى التنوع المستشرف للمستقبل، والمواكب للعصر ومعطياته. حتى نقول: «إن إعلامنا اليوم بات صناعة استشراف للمستقبل». ينبغي تنحية كل ما من شأنه حصرنا في زاوية هشاشة الطرح ورجعية المشهد عبر بعض البرامج والمسلسلات التي تبنَّت نهج ال Copy، والتي رسَّخت ثقافة بدائية مجتمعنا السعودي في عقل وضمير المشاهد العربي لها، والتي لم تظهره كما هو وكما يليق به، بكل همومه ومشاكله وطموحه وتطلعاته.