إن المؤمن لا يأكل مال أخيه بالباطل، فالله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)، وقد أصبح دفع الأموال إلى من لا يهمه ارتكاب ما حرّم الله لمن يعينه على الوصول إلى أموال المسلمين واستحلالها عن طريق الرشوة سائدًا في كثير من مجتمعات المسلمين، يستحلون به أموال إخوانهم، وقد لعن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي والمرتشي والرائش، وكلهم يتعاونون على الإثم والعدوان، وكم ضاعت أموال واستحلها من لا يخافون الله لهذا السبب، وهم لا يعلمون أنهم يسعون إلى النار بكل ما أوتوا من قوة، ففي صحيح البخاري: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة)، والمتخوضون في مال الله بغير الحق هم أولئك الذين لا يقبل منهم حتى الدعاء. ففي صحيح مسلم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، ومطعمه من حرام ومشربه من حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له)، فمستحل أموال عباد الله بالباطل لا يقبل منه حتى الدعاء، وأسوأ المرتشين من يستحل أموال غيره بمال يدفعه لهم سواء أكانوا موظفين عموميين أم أناسا عاديين يشهدون أن هذا المال له ليحوزه، وهو ومن شهد يعلمون أنه ملك لمسلم، فما يسميه الناس هدايا للموظفين إنما هي رشاوى، فقصة ابن اللتبية في السنة النبوية مشهورة حينما أرسله سيدنا رسول الله ليجمع الزكاة، فعاد يقول: هذا لكم وهذا هدية لي فقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقًا، والله لا يأخذ أحد منكم شيئًا بغير حق إلا لقي الله يحمله يوم القيامة)، إن إفساد معاملات الناس بالرشاوى أخطر الأعمال والمعاصي، ولينتبه الناس إلى قول الله عز وجل: (وَلا تَرْكَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ)، إن العدوان على أموال الناس ظلم وقد جعل الله عليه أشد العقوبات فحرّم السرقة وجعل حدها قطع اليد، ومن روّع الناس بالسلاح فقتل وأخذ مالهم تُقطع يده ورجله من خلاف، ثم يُقتل، ومن سلب أموالهم ولم يقتل ولم يجرح قطع وردّت أموالهم عليهم. بنى الله الشريعة على العدل فما ترك لهم عملا قبيحًا فيه شرع إلا وشرع له عقوبة شديدة، وحذرهم من إضرار الناس في أبدانهم أو أعراضهم أو أموالهم، ولم يجعل لهم طريقًا إلى الحرام إلا وسدّه بعقوبات رادعة، والعقوبات التي جاء بها الشرع هي أشد العقوبات في كل القوانين ردعًا للناس عن ارتكاب هذه الجرائم، والغريب أن نجد بعض الدول أنعم الله عليها بأموالٍ عظيمة وثروات كبيرة، تنفقها على ظلم الناس وتعطيها للإرهابيين ليقوموا بالقتل والهدم، وتضيع للمسلمين أوطان كانت آمنة، ويظن أهلها ومن أرشدهم إلى الفعل القبيح أنه ناج من عذاب الله في الدنيا قبل الآخرة، وهو ولاشك وأهم أشد الوهم، فما شرع الله عقوبة إلا وسهل تطبيقها، فما ظلم أحد إلا والله عادل ينجيه من الظلم، وما أحد غيره إلا وجاء عدل إليه فأركسهم عن ظلمهم وأحاط به عذابه، وهذا كتاب الله وهذه سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فأقرأوهما تجدوا الحق فيهما واضحا جليًا، وأخشوا الله يُنجكم، اللهم عليك بكل ظالم حتى ترده عن ظلمه وتعاقبه عليه إن وقع.