لماذا كان التشديد والنكير على الظلم في القرآن والسنة؟ وما أنواع الظلم وما صوره التي يمكن أن يقع فيها المرء؟ وكيف يمكن للمسلم أن يحذره ويتجنب الوقوع فيه؟ وهل يقع الظلم على الكافر أيضًا؟ ولم تأكدت الاستعاذة من الظلم كل يوم عند الخروج من المنزل؟ هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها الدعاة والمشايخ في سياق الاستطلاع التالي: بداية أوضح الداعية محمد الأحمدي أن الله نزه نفسه جل وعلا عن الظلم في آيات كثيرة؛ فقد قال تعالى (تِلْكَ آَيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ) وقال تعالى (إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) وقال تعالى (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) وقال تعالى (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْم)، وعن النبي وقال (إن الله يعذب الذين يعذبون الناس) والظلم: هو وضع الشيء في غير محله باتفاق أئمة اللغة. وبين الأحمدي أنه كان من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم الاستعاذة بالله من الظلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة وأعوذ بك من أن أظلم أو أظلم). وقد جاء ذلك بصيغة الأمر فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (تَعَوَّذُوا بالله مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ وأن تَظْلِمَ أو تُظْلَمَ)، وقد قال ابن رجب رحمه الله تعالى: «فمن سلم من ظلم غيره وسلم الناس من ظلمه فقد عوفي، وعوفي الناس منه»، وكان بعض السلف يدعو: اللهم سلمني وسلم مني«. وأضاف الأحمدي أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الاستعاذة بالله من الظلم من الورد اليومي فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه دعاء وأمره أن يتعاهد به أهله كل يوم فقال: «قل كل يوم حين تصبح لبيك اللهم لبيك وسعديك والخير في يديك ومنك وبك - وفيه-أعوذ بِكَ اللهم أن أظلم أو أظلم أو اعتدي أو يعتدى علي أو أكتسب خطيئة محيطة أو ذنبًا لاَ يغفر»، بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من الظلم كلما خرج المرء من بيته وما أكثر ما يخرج الإنسان من بيته فعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال (بسم اللَّهِ رب أعوذ بك من أن أذل أو أضل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي)، وأوضح الأحمدي أن الحث على هذا الدعاء فيه إشعار ببيان خطورة الظلم بأنواعه؛ لذا تأكدت الاستعاذة بالله منه كلما خرج من بيته لأن الخروج من البيت مظنة الظلم بسبب كثرة الاختلاط بالناس على اختلاف مشاربهم وتعدد أهوائهم كما قال الطيبي رحمه الله تعالى: «إن الإنسان إذا خرج من منزله لا بد أن يعاشر الناس ويزاول الأمر فيخاف أن يعدل عن الصراط المستقيم فإما أن يكون في أمر الدين فلا يخلو من أن يضل أو يُضل وإما أن يكون في أمر الدنيا فإما بسبب جريان المعاملة معهم بأن يظلم أو يظلم وإما بسبب الاختلاط والمصاحبة فإما أن يجهل أو يُجهل فاستعيذ من هذه الأحوال كلها بلفظ سلسل موجز وروعي المطابقة المعنوية والمشاكلة اللفظية». قاعدة نبوبة من جهته أوضح الشيخ علي مانع المحيا إن القاعدة النبوية: «الظلم ظلمات يوم القيامة» لا تستثني أحدًا من الناس منها، ويعظم الوعيد ويشتد على من استغل قوتَه أو مكانتَه أو سلطتَه في ظلم العباد، وأشار المحيا إلى نهاية فرعون حين تجبر وطغى «فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ»، ولمّا ذكر اللهُ قصةَ ثمود وما حلّ بهم، قال تعالى:»فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»، فظلم العباد من أسرع موجبات الهلاك والخراب للأمم والمجتمعات، وفي التاريخ عبرة. وأكد المحيا أن من الظلمة من يغتر بإمهال الله له، فيأكل أموال الناس، ويأخذها ظلمًا وعدوانًا، أو يظلم النَّاس بالضرب والشتم والتعدي، والاستطالة على الضعفاء، ولكن ليعلم كل ظالم أن له يومًا لا يخلف، قال تعالى: «وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ»، وقال تعالى:»وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»، وقال تعالى:»وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ». أنواع الظلم وبين المحيا أن الظلم ثلاثة أنواع: النوع الأول: ظلم الإنسان لربه، وذلك بكفره بالله تعالى، قال تعالى: «وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ»، والنوع الثاني: ظلم الإنسان نفسه، وذلك باتباع الشهوات وإهمال الواجبات، وتلويث نفسه بآثار أنواع الذنوب والجرائم والسيئات، قال جل شأنه: «وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»، والنوع الثالث: ظلم الإنسان لغيره من عباد الله ومخلوقاته، وذلك بأكل أموال الناس بالباطل، وظلمهم بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء، كما أشار المحيا إلى أن من صور ظلم الإنسان لغيره من عباد الله ومخلوقاته: غصب الأرض: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين». وكذلك مماطلة من له عليه حق فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «مطل الغني ظلم». كذلك من صور الظلم كما أوضح المحيا منع أجر الأجير فعن أبي هريرة عن النبي قال: «قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة... ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره». من صور الظلم وبين المستشار وعضو المحكمين بالمملكة د. أحمد عبدالقادر المعبي أن الله سبحانه وتعالى حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرمًا، فقال سبحانه وتعالى فيما رواه رسول الله في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا». وعن جابر أن رسول الله قال: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم». وأكد الدكتور المعبي أن من أنواع الظلم: ظلم الرئيس لمرءوسيه بعدم إعطائهم حقهم من الدرجات أو هضمهم ما هم أهل له من العلاوات أو الإساءة إلى أحدهم في تقرير أو نقل بظلم وسوء تدبير والله هو العلي الكبير. كما أن من أنواع الظلم محاباة شخص على آخر من أجل واسطة محرمة فيتم بذلك هضم الحقوق وإيقاع المفاسد بين الناس فيبطل الحق ويحق الباطل وهذا ظلم واضح لا يخفى على إنسان ذو عقل راجح. وأشار أيضًا المعبي إلى أن من صور الظلم ظلم العمال والخدم والأجراء وظلم المعلم لطلاب وظلم الرئيس لمرءوسيه والظلم لإحقاق باطل وإبطال حق. وأكد المعبي أن دعوة المظلوم مستجابة لا ترد مسلمًا كان أو كافرًا، ففي حديث أنس قال: قال رسول الله: «اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرًا؛ فإنه ليس دونها حجاب». فالجزاء يأتي عاجلًا من رب العزة تبارك وتعالى، وقد أجاد من قال: لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرًا فالظلم آخره يأتيك بالندم نامت عيونك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم وشدد على عقوبة الظالم كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء». والاقتصاص يكون يوم القيامة بأخذ حسنات الظالم وطرح سيئات المظلوم، فعن أبي هريرة عن النبي قال: «من كانت عنده مظلمة لأخيه؛ من عرضه أو من شيء، فليتحلله من اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه». وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: «أتدرون من المفلس، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم وطرحت عليه، ثم طرح في النار».