أذكر قبل سنوات طوال، حين ظهرت «الفياجرا» لأول مرة، وفتن بها الرجال، وروى لي أحد الأصدقاء وقتها أنه كان مع بعض أصدقائه في زيارة لدولة مجاورة ورأوا «الحبة الزرقاء» فاستحيا كل منهم أن يشتريها أمام زملائه، حتى بادر كل منهم بالقول لأصدقائه: «خذ فياجرا يا أبا فلان ولا تخجل مني»، ومع ذلك لم يشترها أحد أمام الآخرين، وبعد مدة قصيرة وخلال لقاءات ومناسبات اجتماعية جمعتهم، علموا أن بعضًا منهم أخذ يستخدم الفياجرا، ومع ذلك لم يصرح بذلك بوضوح . تذكرت هذه القصة هذه الأيام التي ثبت فيها أن بعضًا من العرب لهم صلات بشكل أو بآخر مع إسرائيل، لكنهم ينفون ذلك وينكرونه، ولا يمكن نفي وإنكار تلك العلاقات لوجود السفارات وتبادل الزيارات على مرأى ومسمع من العالم كله، والمنكرون لهذه العلاقة -مع وجودها- أشبه بمن يتعاطى الفياجرا في الخفاء ولا يريد أن يعلم أحد بذلك خوفًا على انتقاص «فحولته» ويفضل أن يبقى «فحلًا» في نظر جيرانه وأقرانه، ونظل نسمع الشعارات الجوفاء والتنديدات الفارغات كلما «دق المغراف بالزير» كما نقول في مكة، فما أن يحدث شيء في الأراضي المحتلة كما حدث مؤخرًا من اعتداء سافر على المسجد الأقصى وحرمته وقتل وتشريد المصلين ووضع بوابات إلكترونية عند مداخل المسجد، وسبق ذلك إغلاقه بالكامل ليومين، كما لم يحدث منذ أكثر من نصف قرن، ما أن يحدث كل هذا حتى تسمع الأصوات الخافتة لتندد وتستنكر وتشجب أو تتخذ إجراءات تبعث على الضحك بل تثير القهقهة بصوت عالٍ على طريقة (LOL) كما سمعنا في بعض الفضائيات من أن دولة عربية منعت عرض فيلم أمريكي شهير جديد عنوانه «وندر وومن» في دور السينما لديها لأن «إحدى الممثلات فيه إسرائيلية». يا لها من صفعة لإسرائيل! ستؤدي حتمًا إلى إيقاف ممارساتها القمعية، وإلى توقفها عن الاعتداء على مقدسات المسلمين وفي مقدمتها المسجد الأقصى. وما أفدح هذه الخسارة التي لحقت بدولة صهيون أن يمنع عرض فيلم أمريكي تشارك فيه ممثلة إسرائيلية، فبالله عليكم، ألا تنقص هذه القرارات التافهة العاجزة كل معاني الرجولة قبل أن تنقصها الفحولة، فإذا ما انتقدوا إسرائيل انتقدوها على استحياء فالعلاقات قائمة ولكن لا نريد أن يعلم عنها أحد . ولو فكرنا قليلًا في وضع كهذا لقلنا حتمًا: لو أن هؤلاء أعلنوا عن تلك العلاقات لكان خيرًا ألف مرة، فعلى أقل تقدير يستطيعون وقتها أن يخاطبوا العدو مباشرة، وأن يوجهوا له سهام النقد والاستهجان حتى لو لم تكن جادة «فالعيار الذي لا يصيب يدوش» كما يقولون، ولكن في ظل إخفاء تلك العلاقات لا يجرؤ أحد منهم على أن يهدد ولو «للاستهلاك المحلي» بقطع تلك العلاقات أو تعليقها.