تسعى اليوم العديد من الدول حول العالم إلى تسخير كل طاقتها وإمكاناتها وقدراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية للتأثير على الرأي العام العالمي من جهة، والمحلي من جهةٍ أخرى، لإقناعه بالعديد من القضايا المختلفة، وتُعدُّ وسائل الإعلام بمختلف أنواعها الأداة الرئيسة والأولى التي يتم استخدامها من أجل تحقيق هذا الهدف الإستراتيجي. (القوة الناعمة) هو مفهوم صاغه «جوزيف ناي» من جامعة هارفارد، ويعني هذا المصطلح بأنه القدرة على الجذب دون الإكراه، أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع، وخلال العشر سنوات الأخيرة عمدت العديد من دول العالم إلى اللجوء إلى تعزيز هذا الأسلوب، فقد أكد وزير الدفاع الأمريكي الحاجة إلى تعزيز القوة الناعمة الأمريكية عن طريق «زيادة الإنفاق على الأدوات المدنية من الأمن القومي بالدبلوماسية، والاتصالات الإستراتيجية، وتقديم المساعدة الأجنبية، وإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية)، فالقوة الناعمة تعني أن يكون للدولة قوة روحية ومعنوية من خلال ما تُجسِّده من أفكارٍ ومبادئ وأخلاق، ومن خلال الدعم في مجالات حقوق الإنسان والبنية التحتية، والثقافة والفن، مما يُساهم في كسب احترام الآخرين وإعجابهم وتقديرهم، فهي نمطًا أساسيًا في كسب العقول والقلوب، وتطويع العواطف لقبول وجهات النظر، وهي قوة تُجسِّد الأفكار والمبادئ والأخلاق، وتُعزِّز قِيَم التسامح والسلام من خلال أنماط متنوعة وأشكال متعددة، كالاهتمام بالفن والأدب، وعقد المؤتمرات لمناقشة القضايا المشتركة، والتصدي للأزمات العالمية، وإنشاء التحالفات الدولية والسياسية والاقتصادية، وكل ذلك يساهم في زيادة النفوذ الاستراتيجي، ويُعزِّز السمعة والمكانة الدولية، وتحتل الولاياتالمتحدةالأمريكية المركز الأول في هذا المجال، تليها ألمانيا، ثم المملكة المتحدة، ثم اليابان. لا يقتصر أثر استخدام القوة الناعمة على التأثير في الرأي العام الدولي والمحلي فقط، بل لها آثار في التنمية الاقتصادية، وذلك من خلال الترويج للاقتصادات المحلية، ودعم الاستثمارات والسياحة المحلية، وتسليط الضوء على المنجزات العلمية والفنية والثقافية، وفتح قنوات التواصل مع شعوب العالم المختلفة، وهذا الأمر ساهم في جعل دولة الإمارات تعلن قبل أقل من ثلاثة أشهر عن تشكيل (مجلس القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة)، والذي يهدف إلى تطوير أدوات جديدة لإيصال قصة دولة الإمارات وتفرُّدها، لكل شعوب العالم. الدول التي تسعى للجوء للقوة الناعمة لتعزيز مكانتها محليًا ودوليًا، وإقناع الرأي العام، تعمل عادةً على تطوير الأنظمة الداخلية أولًا، كما تسعى لتطوير القوانين المحلية، ومكافحة الفساد، والانفتاح على التجارب الدولية الأفضل، ومخالطة الشعوب للاستفادة من خبراتهم، وتطوير القدرات والإمكانات في العنصر البشري، ورفع مستوى الشفافية لديها، ولذلك نجد أن هناك دولًا حول العالم ليس لديها القدرات العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية، ومع ذلك فإنها تلعب دورًا مهمًا حول العالم.