تستهوي بسطات البليلة وعصير التوت والبطاطس المقلية، والعديد من الماكولات الرمضانية الأخرى، الكثير من المواطنين والمقيمين وزائري جدة القديمة في رمضان، حيث يزداد الإقبال عليها بشكل ملحوظ، مما يعطي الفرصة للبائعين بفتح باب رزق لهم تزامنًا مع دخول الشهر الفضيل. إلا أن البليلة تبقى الأكثر شهرة بين كافة المأكولات الرمضانية، وهي الأبرز بين البسطات، لما تحمله من تراث وذكريات لدى سكان جدة وزائريها. «المدينة» تجولت في شارع قابل، أقدم الشوارع في جدة القديمة، ووقفت على تباين أنواع الأكلات البلدية التي يشتهر بها سكان جدة ويقومون ببيعها، وسط تعالي أصوات وأهازيج البائعين بأسلوب فريد. يقول إبراهيم مهدي حسن وكنيته ''أبو مهدي'' إنه واحد من أربعة بدأوا في بيع البليلة في جدة قبل ثلاثين عاما وحتى اليوم، مشيرا إلى أنه يعدّ البليلة ويبيعها منذ اليوم الأول في رمضان وحتى نهايته، بعد أن يكون قد جهّز بسطته في منطقة البلد التاريخية في جدة، وبعدها يقوم بتفكيك البسطة والانتظار حتى رمضان المقبل. وطوال الثلاثين عاما الماضية ينصب أبو مهدي بسطته في الموقع ذاته كل عام، وشرع منذ سنوات في تعليم ابنه أسرار إعداد البليلة وبيعها منذ أن كان عمره سبع سنوات، حتى يواصل ويحافظ على هذه المهنة ويرثها أبا عن جد.. وقال أبو مهدي: التطور في إعداد البليلة أخذ أشكالا مختلفة، منها البليلة السادة أو البليلة بالبطاطس أو بالبطاطس والبيض''، مشيرا إلى أن سعر الصحن الصغير يبدأ من ثلاثة ريالات، والمتوسط بخمسة ريالات، والكبير نحو ثمانية ريالات، وفقا لنوع الصحن والخلطات فيه. الناضجة والممخخة ويبدأ أبومهدي في تجهيز البليلة منذ الواحدة ظهرا وحتى الرابعة عصرا في بيته، ثم يقوم بنقلها بعد الإفطار إلى بسطته في منطقة البلد، مؤكدا أنه اعتاد على استعمال الحمص المكسيكي في إعداد أطباقه. ولفت أبو مهدي إلى أن زبائنه من جميع الجنسيات وزوّار منطقة البلد ومرتاديها من السعوديين والمقيمين، مشيرا إلى أن أهالي منطقة البلد الأصليين لهم طريقتهم عند الشراء تتوقف على فحص البليلة للتأكد من نضجها جيدا أم ''ممخخة'' أي لا تزال حباتها قاسية شيئا ما، وبعدما يتيقنون من تمام النضج يقومون بالشراء. وبين أشهر بائعي البليلة في البلد أبو جمال، حيث قال إن هذه الصنعة كانت في البدايات هواية، وأصبحت الآن تدر عليه بعض المال الذي يسد رمقه ويلبي حاجاته وعياله منذ نحو 25 سنة، معبرا عن مرافقته لقدر البليلة وموقدها الصغير وبعض البهارات كالكمون والفلفل الأسود والملح والخل المخفف بالماء، وأشار إلى أن البليلة يتم إعدادها من وقت مبكر قبل تقديمها إلى الزبائن بوضعها في حوض مياه كي تتشرب من المياه وتصبح «لينة»، إذ تستغرق هذه العملية نحو 24 ساعة أو أكثر، وبعد ذلك تغسل ثم توضع في القدر ويوقد تحتها نار خفيفة مع وضع الملح الخفيف حتى تنضج للأكل. وأضاف أنه كان فيما مضى تقدم فقط مع الملح والخل، ثم جاءت إضافة البهارات من كمون وفلفل أسود، ثم تطور الحال إلى وضع السلطة وقليل من البطاطا المسلوقة، لافتا إلى أن هناك كثيرا من الزبائن يفضلون أكل البليلة على الطريقة القديمة. الأهازيج لجذب الزبائن أنس باوزير، مالك أحد بسطات البليلة والبطاطس، قال: نفرح بقدوم شهر رمضان ونقوم بإحياء هذا العمل الشعبي الذي كان أجدادي يقومون به وهو شرف لي بحد ذاته، حيث تجد أجواء التنافس الحماسية والصيحات والأهازيج التي لا تجدها إلا هنا هي بحد ذاتها عامل جذب للناس إلى البسطات الخاصة بنا، وأضاف: الأمانة توفر لنا هذه البسطات مقابل مبلغ مالي وهو ما يحمسنا للعمل والتكسب في الحلال مع إحياء هذه الظاهرة الشعبية التي نحرص نحن كمواطنين على إحيائها في هذا الشهر الفضيل، وأضاف أنس: عملت في هذه المهنة الرمضانية منذ 15 سنة، وكل سنة أجد العمل أفضل وأفضل وهذا العام أفضل من ناحية التنظيم. ومن زبائن البليلة قال أحمد المالكي: إنني أفضل تناول البليلة في رمضان، لأنها تذكرني بالماضي وتجمع شباب الحارة حول بسطة البليلة ذات الأنوار المتنوعة، وبجانبه بائع آيسكريم التوت المحلي إضافة إلى لعبة الفرفيرا. وبين سامي الهذلي أنه من عشاق البليلة التي أصبحت سمة شائعة لأجواء رمضان في كثير من حواري الطائف، إذ تشغل بعض الأسر أبناءها الصغار، خصوصا في بيع البليلة واستثمار أوقاتهم، خصوصا بعد صلاة التراويح حول بيوتهم.