لم يعد الدور القطري مخفيًا، في زعزعة أمن واستقرار المنطقة من خلال محاولاتها العمل على تغيير بعض أنظمة الحكم بدعم الجماعات والتظيمات الإسلامية المتطرفة، كما في ليبيا، وتونس، ومصر- إضافة إلى تعميق الانقسام الفلسطيني من خلال دعم حركة حماس- معتمدة بذلك على أدواتها وأذرعتها الإعلامية والمالية. وقد فتحت الدوحة ومنذ وقت مبكّر قناة تواصل مع حركة طالبان ثمّ شيئًا فشيء فتحت لهم مكتبًا في الدوحة موحية للغرب بأنّها تفعل ذلك بدعوى مساعدته على احتواء الحركة. ودفعت قطر مبالغ ماليّة طائلة لجبهة النصرة المنتمية إلى تنظيم القاعدة الإرهابي، وكانت بعض هذه الأموال تدفع علانية بدعوى تحرير أسرى ورهائن اختطفتهم الجبهة، لكنها كانت لعبة مفضوحة ظاهرها عمل إنسانيّ وباطنها دعم للإرهاب. ولخصت سها البغدادي، الباحثة في الشؤون اليمنية، الدور الذي تلعبه قطر في اليمن، بأنه معرقل لإنجازات «عاصفة الحزم»، التي تقودها المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، «حيث بدأت قطر في بناء تحالف مع جماعة الإخوان باليمن -حزب الإصلاح». العلاقة الوطيدة بالإخوان شكلت قطر حاضنة لجماعة الإخوان المسلمين، ووفرت الإيواء والملاذ لعناصرها الهاربين من بلدانهم، ودأبت على استضافتهم في قنوات الجزيرة للهجوم على المملكة وعلى دول الخليج. وبعد سقوط حكم «الإخوان» في مصر، ناهضت قطر مصر بعد ثورة 30 يونيو خلافًا لإرادة الشعب المصري. والواقع أن قطر احتضنت حركة الإخوان المسلمين وشيخها يوسف القرضاوي وساندتهم بالأموال والتأييد الإعلامي وسعت إلى إطلاق سراح سجنائهم في ليبيا ومكّنتهم من امتطاء ما يسمّى بالربيع العربي وأوهمت العالم بأنهم قادته ومحرّكوه. وكانت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية قد رأت أن الدعم القطري للإخوان المسلمين من خلال حملة مقاطعة لمصر ودول الخليج هو جزء من رهان على «حفظ ماء الوجه» للدولة الصغيرة أمام القوى العربية العظمى التي تتمثل في مصر والمملكة العربية السعودية. علاقات حميمية مع طهران أقام النظام القطري علاقات ودية مع إيران، ويكفينا منه ما هو في العلن. وتعلم قطر أنّ حلم نظام الملالي الأكبر هو إقامة إمبراطوريّة فارسيّة، وأن مخططها المعروف باسم الهلال الشيعي يهدف إلى ربط طهران بالبحر الأبيض المتوسط عبر أراضي أنظمة موالية لها في العراق وسوريا ولبنان، وإنهم أطلقوا عليه الهلال الشيعي من باب الأطماع القوميّة المتسترة تحت قناع مذهبيّ طائفي، لكنها قد تجهل أن أوّل المتضررين من هذه الأطماع هي دولة قطر. ووقفت إيران مع قطر في خلافاتها الحدودية مع المملكة العربية السعودية، ولهذا السبب بعث الأمير الأسبق برسالة شكر في مايو 1992 إلى الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجابي ليشكره على دعم بلاده لقطر في خلافاتها مع السعودية. وترتبط قطر مع إيران بعلاقات اقتصادية وثيقة، من خلال حقل الغاز المشترك بينهما في مياه الخليج العربي، وهو ما بات عاملًا إضافيًا للتقارب بين البلدين، حفاظًا على مصالحها في الحقل المشترك، لاسيما بعد أن فتحت إيران باب الاستثمار في هذا الحقل. وحاولت قطر دائمًا الاستفادة من الخلافات بين طهران وأغلبية الدول الأعضاء في مجلس التعاون خدمة لمصالحها الضيقة، نظرًا للشكوك التي تساورها، خاصة إزاء كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، وهذا يفسر إصرار الدوحة على «اعتبار إيران جزءًا من الحل الأمني في المنطقة» ورفضها اعتبار طهران جزءًا من المشكلة. وتحاول قطر تطوير العلاقات الاقتصادية مع إيران على مختلف الصعد، بهدف جلب الاستثمارات الإيرانية وتغيير وجهة مستثمرين إيرانيين من أماكن أخرى في الخليج إلى الدوحة. كما أنها تبحث عن فرص للمستثمرين القطريين في إيران، وعلى هذا الصعيد وقع البلدان منذ 1991 عدة اتفاقيات في مجال النقل الجوي والتعاون التقني والعلمي والثقافي والتعليمي. ورغم دور إيران التخريبي والطائفي المثير للفتن والاضطرابات في المنطقة، إلا أن الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر يواصل تصريحاته التي يعبِّر فيها عن انحيازه لإيران، مؤكدًا على العلاقات المتميزة التي تربط الدوحةوطهران، وهو ما يؤكد على أن التصريحات التي أطلقها مؤخرًا بأنه «ليس من المصلحة التصعيد مع إيران خاصة أنها قوة كبرى تضمن الاستقرار في المنطقة» دعم حماس وتكريس الانقسام تحتفظ قطر بعلاقات وثيقة مع حماس، وتحتضن مكتبها السياسي منذ خمس سنوات، تحديدًا منذ إعلان الحركة عن تأييدها للثورة السورية. وقد دعمت الدوحة بقوة فوز حماس في الانتخابات التشريعية في يناير 2006، وكانت من أوائل الدول التي فتحت ذراعها لحماس بعد سيطرتها على قطاع غزة في 2007 وأرسلت لها دعمًا ماليًا سخيًا واستمرت في ذلك، وكانت تدفع 30 مليون دولار شهريًا لحكومتها في القطاع. ومولت قطر واستخدمت كل ما يمكنها لتمكين الحركة من تعزيز سيطرتها وإنجاح حكمها في القطاع. وقام أمير قطر بزيارة قطاع غزة في أكتوبر 2012 بهدف كسر الحصار ومساعدة أهل غزة، ولكن هدفه الحقيقي كان تعميق وتكريس الانقسام. ووصفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الزيارة بأنها تشكل خطرًا على وحدة الفلسطينيين. واستمرت قطر في دعم كل مواقف حماس ضد السلطة الفلسطينية، رافضة ممارسة أي ضغط عليها في أي مرحلة لإنهاء الانقسام. وجاءت تصريحات الشيخ تميم الأخيرة حول حماس بالقول إنها الممثل الشرعي للفلسطينيين، لتدق إسفينًا جديدًا في جهود المصالحة الفلسطينية، رغم نفي تلك التصريحات والزعم بأن ثمة اختراقًا لموقع وزارة الخارجية القطرية- وحيث جاءت تلك التصريحات لتصب المزيد من الزيت على نار الفتنة والانقسام بين فتح وحماس. إثارة الفتنة في البحرين وتسعى قطر منذ فترة طويلة في إثارة الفتن في البحرين، وعلى المضي قدمًا في زعزعة الأمن والاستقرار في تلك المملكة التي يفترض بأنها دولة جارة وشقيقة، والتدخل في شؤونها والاستمرار في التصعيد والتحريض الإعلامي ضدها، ودعم الأنشطة الإرهابية المسلحة وتمويل الجماعات المرتبطة بإيران للقيام بالتخريب ونشر الفوضى في أرجائها، وذلك في انتهاك صارخ لكل الاتفاقيات والمواثيق ومبادئ القانون الدولي، وبدون أدنى مراعاة لقيم أو قانون أو أخلاق أو اعتبار لمبادئ حسن الجوار أو التزام بثوابت العلاقات الخليجية.