صفحاتٌ مشرقةٌ من تاريخ المرأة المسلمة، المُعتَّم عليه من قِبَل بعض المؤرِّخين العرب المُعاصرين، تُبيِّن لنا أنَّ إسهامات المرأة المسلمة في بناء الحضارة الإسلاميَّة وحركتها العلميَّة والتعليميَّة منذ بزوغ فجر الإسلام إلى يومنا هذا، لم تقتصر على العلوم الدِّينيَّة، وإنَّما امتدَّت إلى اللغة، والنحو، والشعر، والأدب، والنقد الأدبي، والخط، وعلوم الفضاء، والفلك، والرياضيَّات، والطب، وفي مقالٍ سابقٍ تحدَّثتُ عن صحابيَّات جليلات مارسن مهنةَ الطبِّ والجراحة، وسأتوقَّف في هذا المقال عند بعض عالمات في الفضاء، والفلك، والرياضيَّات، والطبِّ، ومنهنَّ: • مريم الجيليَّة الإسطورلبيَّة، عالمة بعلوم الفضاء (944- 967م)، عاشت في مدينة حلب شمالي سوريا، كان أبوها عالمًا في مجال الفضاء، فتتلمذت على يديه، وعملت في مجال العلوم الفضائيَّة في بلاط سيف الدولة، ولبراعتها ودقَّتها قام الحكامُ بتكليفها عدَّة مرَّات لصناعة إسطرلابات لهم، وقامت أثناء هذه الفترة بتحسين آلة الإسطرلاب التي تُعرف أيضًا باسم «ذات الصفائح». والإسطرلاب: «هو نموذجٌ ثنائيُّ البُعد للقبَّةِ السماويَّةِ، يظهرُ كيف تبدو السماء في مكانٍ محددٍ، عند وقتٍ محددٍ. وقد رسمت السماءُ على وجه الإسطرلاب بحيث يسهل إيجاد المواضع السماويَّة عليه. بعض الإسطرلابات صغيرة الحجم، وسهلة الحمل، وبعضها ضخم يصل قطرها إلى عدة أمتار. وقد كانت تعتبر حواسيبيَّة فلكيَّة في وقتها، فقد كانت تحلُّ المسائل المتعلِّقة بأماكن الأجرام السماويَّة، مثل الشمس والنجوم، والوقت أيضًا. لقد كانت تستخدم كساعات جيب لعلماء الفلك في القرون الوسطى. بهِ تمكَّنوا أيضًا من قياس ارتفاع الشمس في السماء، وهذا مكَّنهم من تقدير الوقت في النهار أو الليل».. تُوفيت عن عمر 23 سنة فقط. • عالمة الفلك فاطمة المجريطيَّة، وهي ابنة عالم الفلك الأندلسي العظيم مسلمة المجريطي، نسبةً إلى مدينة مجريط (مدريد)، التي وُلد بها، وبدأت رحلتها العلميَّة عندما وجد أبوها ذكاءَها واهتمامها بالعلوم الفلكيَّة، واهتمامها بالرياضيَّات فدرَّبها وعلَّمها حتَّى وجد أنَّها تصلحُ لتكونَ شريكه في البحث العلميِّ، فعملت معه على التحقيقات الفلكيَّة والرياضيَّة، وقاما سويًّا بتحرير وتصحيح «الجداول الفلكية للخوارزمي»، والتي ما تزال موجودةً إلى اليوم في مدريد، حيث قاما بضبطها، بحيث تتناسب مع خط الزوال الذي يعبر فوق مدينة قرطبة بالذات، والتي كانت تعتبر مركز العالم، ومنبع المعرفة والعلم في تلك الحقبة، بحيث تصبح قرطبة هي النقطة المرجعيَّة لإجراء الحسابات، تمامًا كما هي حال مدينة «غرينتش» كمرجع للتوقيت في هذا العصر، كما عملت فاطمة مع والدها على تصحيح التقاويم، وحساب مواضع الشمس والقمر والكواكب بشكل دقيق، ووضع جداول لعلم الفلك الكروي، وحساب الكسوف والخسوف، ثم انفردت بالبحث العلمي، وقامت بكتابة عدَّة كتب سُمِّيت بتصحيحات فاطمة، وتعرف فاطمة في العالم الغربي بأنَّها أوَّل عالمة فلك في الأندلس، وقد قال عنها المستعرب الإسباني «مانويلا مارين» المتخصِّص في تاريخ الأندلس وأعلامه: «إنَّها إحدى ألمع النساء الأندلسيَّات اللاتي ساهمن في صناعة التاريخ». للحديث صلة...