الحلال والحرام وجهان مختلفان.. حلال ما أحلَّه اللهُ، وحرام ما حرَّمه، وليس لأحد أن يقول برأيه هذا حلال وذاك حرام، إلاَّ لمن يملك العلم الشرعي، وعالم بضوابط التحليل والتحريم من الكتاب والسُّنَّة. وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- والتابعون، وأهل العلم -رحمهم الله- يخافون من الفتوى، ويدفعها كلٌّ منهم إلى الآخر؛ ليكفيه إيَّاها. قال ابن القيم -رحمه الله- (قد حرم الله سبحانه وتعالى القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء، وجعلها من أعظم المحرمات)، وقد كان السلف إذا سئلوا عن مسألة لا يعلمون حكمها قالوا: لا ندري، أو لا نعلم، لعلمهم بخطورة ذلك عليهم، وعلى الأمة فيما بعد، واضعين نصب أعينهم قوله تعالى (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). ويأتي في زماننا هذا من لا يملك من العلم الشرعي شيئًا يحلِّل ويحرِّم على حسب هواه، وما يوافق شهواته ونزواته بكلِّ جرأة، غير عابئ بالوعيد الشديد على مَن يتفوَّه بذلك، فضلاً عمَّن يشيعه وينشره بين المسلمين وعبر وسائل الاتصال.. انظر لمَن حرَّم القهوة وهي مباحة من المشروبات.. ومن جاء بالطَّامة الكبرى الذي أحل الخمر! وقال جرعات بسيطة لا تضرُّ، فالعالم كله يفعله -انبسط وخذ راحتك- وآخرون يحلِّلون الغناء والموسيقى، وإقامة الحفلات المختلطة في أواسط العالم الإسلامي.. والأدهى من كل ذلك مَن يحلِّلون سفك الدماء المسلمة والذِّميَّة بفكرهم التكفيريِّ المنحرف الذي أصاب الأمَّة الإسلاميَّة في مقتل؛ ممَّا جعل الأعداء يتكالبون عليها، ويريدون الفتك بها وتفكيكها.. وعلى كل هؤلاء المفتين -بقصد أو بدونه- أن يعودوا إلى أنفسهم، وسؤالها: ماذا قدموا للإسلام، وأمتهم؟ وعليهم أن يعدوا جوابًا لقوله تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤولُونَ).