لم يكن اختيار منظمة اليونسكو لهذا اليوم 23 أبريل من كل عام للاحتفاء بالكتاب وحقوق المؤلف؛ إلا إشارة رمزية تستبطن في جوفها إلى موافقة هذا التاريخ لرحيل رموز أدبية عالمية، أسهمت بشكل واضح في الأدب والثقافة الإنسانية، ففي هذا التاريخ من عام 1616، توفي كل من ميغيل دي سرفانتس، ووليم شكسبير والاينكا غارسيلاسو دي لافيغا. كما يصادف هذا اليوم ذكرى ولادة أو وفاة عدد من الأدباء المرموقين مثل موريس درويون، وهالدور ك. لاكسنس، وفلاديمير نابوكوف، وجوزيب بْلا، ومانويل ميخيا فاييخو.. بهذه الرمزية جاء تحديد هذا اليوم من قبل اليونسكو لترتفع فيه الحفاوة بالكتاب، وتستشعر قيمة المؤلف، وتأتي المناسبة هذا العام لتختار العاصمة الغينية «كوناكري» عاصمة للكتاب، نظرًا لجودة برامجها وتميزها، وبخاصة برنامجها للتركيز على التشارك المجتمعي، فضلا عن ميزانيتها الرصينة المشتملة على أهداف تنموية مع تركيز على الشباب ومحو الأمية.. «المدينة» استطلعت عددًا من المثقفين حول هذه الاحتفالية، حيث اتفقوا جميعا على ضرورة تفعيل دور الكتاب في المجتمع في ظل الانحسار الذي يلقاه جراء المنافسة الشرسة من وسائط المعرفة التقنية الحديثة.. تغييب أعلام العرب فبداية تقول الدكتورة عائشة الحكمي، عضو أدبي تبوك: حري بنا استرجاع قول المتنبي: أعز مكان في الدنى سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب فهذا اليوم 23 أبريل يوافق الاحتفاء بالكتاب عالميًا بقيادة المنظمة الدولية (اليونيسكو) منطلق الفكرة وفاة أعلام الأدب العالمي سرفانتيس وشكسبير، بينما يغيب أعلام الأدب العربي بكل تاريخه الموغل في القدم الارتباط بهذه المناسبة الخلاقة؛ فأين المتنبي، وأين أعلام المعلقات.. وتستدرك الحكمي قائلة: لكننا قبلنا أن نحتفي بهذه المناسبة الجميلة تقديرًا للمعرفة ودورها في بنية الوعي الإنساني، وتغيير حياة الإنسان من الجهل والفقر وتبعاتها إلى تنوير وإدراك وإصلاح، فالكتاب يستحق الالتفات له وتفعيله في حياة الناشئة؛ لأننا أصبحنا نفتقد حضور الكتاب في أيدينا وفي حياتنا العامة والخاصة، وأصبحنا لا نرى سوى الأجهزة الذكية واستحواذها بصورة مخيفة على الجسد والذاكرة البشرية، وحين نحاول الاحتفاء بالكتاب والتذكير بدوره في تأسيس الحياة الحضارية التي يعيشها العالم اليوم في زمن لم تكن الأجهزة الذكية في احتمال الظهور، نذكرهم بأسباب هذه الحال الحضارية غير المسبوقة أنه مستقبل الأجيال وعلينا ربطه بالكتاب والمعرفة الجادة. مسؤولية الأضلاع الثلاثة ويرى الشاعر والناشر إبراهيم الجريفاني «أن الاحتفال بهذه المناسبة يجب أن لا يأتي فقط عن طريقة ندوات أو محاضرات؛ بل أن يفعّل هذا اليوم بإستراتيجية عمل تنطلق بالأضلاع المهمة في القراءة وهي وزارة التعليم ممثلة بالمدارس والجامعات، وأيضًا وزارة الثقافة والإعلام، والأسرة، بوصفها المسؤولة عن الكتاب بشكل مباشر». ويضيف الجريفاني: في احتفاء باليوم العالمي للكتاب يجب أن نتيقظ ونعلم أننا نسينا الكتاب في ظل التقنية والتكنولوجيا الموجودة الآن، لذلك نحتاج بالفعل إلى أن نعيد العلاقة بروابط قوية مع المكتبة، وللأسف المكتبات العامة لها أكثر من (20) سنة من آخر إنشاء مكتبة عامة في المدن، والمدارس أصبحت تهمل موضوع المكتبات، والمعلمون أيضًا لم يستفدوا من وجود المكتبات إلا في دورسهم للطلاب خلال دروس تقوية للطلاب كأن القراءة ليست مادة فكر!! ويختم الجريفاني بقوله: أعتقد أن المنظمات العالمية أعادت التذكير بالكتاب من خلال اليوم العالمي للكتاب استشعارا بأننا بعيدون كل البعد عن الكتاب، وأتمنى بالفعل أن تتماهي مع رؤية 2030 في جانب الثقافة أيضًا حتى نعيد للكتاب أهميته ونعيد للفكر غذاءه الحقيقي، ونستطيع نحن أن نخلق جيلا قارئا مرتبطًا بالكتاب ارتباطًا حقيقيًا، لأن هذا جوهر الحضارة الحقيقية. الكتاب في الأولويات ويشارك مدير جمعية الثقافة والفنون بالطائف فيصل الخديدي بقوله: الكتاب نافذة فكر وأفق علم.. والاحتفاء به لا يقتصر على يوم أو أيام فهو وقود العقل ورقي الإنسان.. ولعل مناسبة اليوم العالمي للكتاب تجعلنا نعيده إلى أولوياتنا بشكل فردي أو حتى على مستوى المؤسسات، فانتشار الكتاب والاهتمام بزيادة الاطلاع عليه يضمن لنا ظهور أجيال مثقفة واعية تسعى للتطور والرقي بالشكل الفردي والمجتمعي.. أيضاً من أوجه الاحتفاء بالكتاب الدعم والتحفيز للنشر والطباعة والتأليف والسعي الحثيث لإنشاء جيل مطلع واعي يكتب ويساهم في التأليف ونشر الفكر بين أجيال الشباب ومواكبة التطورات الحديثة بجميع اشكالها وحضور الكتاب بكل أشكاله سواء الورقي أو الإلكتروني في عصر التقنية والتطور وامتلاك المعرفة. المنافس القوي ويتفق القاص محمد علي قدس مع سابقيه في أن اليوم العالمي للكتاب مناسبة لتذكير العالم بأهمية المعرفة للإنسان، وأنه الطريق الوحيد للمعرفة دائمًا وأبدًا. ماضيًا إلى القول: أثبت الكتاب أنه منافس قوي كوعاء للمعرفة والثقافة، في ظل كل المتغيرات وما يشهده العالم من تحول جذري في التزود بالمعرفة والتثقيف والحوار مع الآخر بتنوع مصادر المعرفة رقميًا وتقليديًا. وهذا ما نشهده طوال العام، حيث تنظم معارض الكتاب في عواصم العالم باعتبارها مواسم تعزز أهمية القراءة وأهمية الكتاب، وهو ما يؤكد بصورة تلقائية أن شهور العام فيه أيام متعاقبة بالاحتفال بالقراءة والكتاب للمثقفين وطلاب الثقافة. معين الحكمة وقال الناشر والكاتب عبدالرحيم الأحمدي صاحب دار المفردات للنشر: الكتاب معين الحكمة والمعرفة الذي ننهل منه ما نحتاج إليه من الحِكم والمعارف، والوسيلة التي نستعين بها لنشر الحِكم والمعارف وتشاطرها. كما أن الكتب تساعد على جمع شمل البشر كافة باعتبارهم أفراد أسرة واحدة من سلالة واحدة يتيح لها ماضيها المشترك، وكذلك تاريخها وتراثها، إرساء أسس مشتركة لمستقبل مشرق يشمل البشر كافة ويراعي احتياجاتهم ويلبي تطلعاتهم. وتملك الكتب قدرة فريدة على تعزيز الإبداع والارتقاء بالحوار بين الناس كافة رجالاً ونساءً على اختلاف مشاربهم وثقافاتهم. أشد قتامة أما رؤية الإعلامي جميل البلوي فبدت مختلفة بقوله: هذا اليوم لا وجود له إلا في أذهان المهتمين، ويمر على الجامعات والمدارس مرور الكرام.. أما المكتبات فهي مهتمة بالربحية مستبعدة أي دور اجتماعي لها ومن ذلك التعريف بهذا اليوم واستغلاله في إقامة المهرجانات للتشجيع على القراءة عبر إقامة مسابقات ثقافية وتقديم عروض وتخفيضات جاذبة. إننا أمام جيل لم يعتد الذهاب إلى المكتبات من أجل القراءة، حتى تحولت هذه الدور إلى قرطاسيات، ولعلاج ذلك لابد من تعويد وتدريب الطلاب منذ الصغر على ارتياد المكتبات للقراءة والاطلاع، فضلا عن توظيف التكنولوجيا للاستفادة من الكتب الإلكترونية التي باتت في متناول الجميع، واذا تجاوزنا ذلك واكتفينا بالعقول القارئة فهي وفي زمن الانفتاح لا تستطيع إدخال ما تريد من كتب حواجز الفكر لازالت موجودة. الأمر أشد قتامة من مجرد الاحتفال بيوم.. دعوا العالم يحتفل.