تولي الأممُ المتقدِّمةُ عنايتها الفائقة بتربية أفرادها، وإعداد مواطنيها إعدادًا خاصًّا؛ ليكونوا شبابًا عاملين لأمَّتهم، وفي خدمة وطنهم.. ولا شكِّ أنَّ شبابَ الأمة -أيّة أمّة- في أيِّ مكان، وعبر الحقب التاريخيَّة المتعاقبة، هم حاملو لواء التجديد، والمغامرون في يموم الحياة الوعرة، والذائدون عن حياض أمّتهم، والباسطون أشرعتهم صوب عوالم أفضل، وحيوات أجمل، والباذلون بسخاء في مواطن الإنتاج والعمل. ولئن كان الشباب القوة الدافعة، والطاقة الهائلة، وملحمة الكفاح العظيم في بناء المجتمعات، وتقدم الأوطان، فإنَّ الإسلام الحنيف قد وجَّه إليه بالغ العناية، وأبى إلاَّ أن يكبح جماح هذه القوة الدافعة، وتلك الطاقة الهائلة؛ لتنضبط على هدي القرآن، وتتأسى بخلق النبيِّ الأكرم، وتنطلق في الحياة وفقًا لدستورٍ رشيدٍ، ومنهجٍ قويمٍ، وعقيدةٍ واضحةٍ لا لَبْس فيها ولا التواء. من هذا المنطلق وحتَّى تتحقق تلك الغاية العالية، والثمرة المرجوَّة انطلقت دعوة الإسلام في فضاءات الكون الفسيح، تهدي الإنسان، وتبشِّر الوجود الحائر بأنَّ جوهر رسالتها هو الأخلاق الكريمة، تلك الأخلاق التي تتواءم مع الفطر السليمة، والألباب الرشيدة، والضمائر الشريفة؛ لهذا كان حرِّيًا بكلِّ مسلمٍ أن يعتني بالأخلاق والسلوك والآداب الشرعيَّة، وأن يحاول -قدر ما يستطيع- أن يتخلَّق بخلق النبيِّ الأكرم، الذي مدحه ربُّه في محكم التنزيل بقوله: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ». وقد كانَ رسولُ الله أحسنَ النَّاس خُلقًا مع أمَّته، ورعيَّته، وأهل بيته. غير أنَّ التأسي برسولِ الله، والمضي على دربه، والتحلِّي بمكارم الأخلاق ليست شعارات نرفعها، وكلمات نرددها، وأثوابًا نرتديها، ومظاهرَ خادعة نستتر وراءها؛ لنبدو أمام الآخرين في هيئة الصلاح، وسمت الزهَّاد الأتقياء..! إنَّ الخُلقَ الحقيقيَّ مَا كانَ فعلاً لا قولاً، سلوكًا ظاهرًا وباطنًا تجاه النَّفس والمجتمع والوطن.. تجربة حياتيَّة رائعة من الصبر والجلد، وتحمُّل مشاق الحياة ومكدِّراتها بقلبٍ مؤمنٍ واثقٍ باللهِ الخالق الرحيم. وقد صدق الشاعر العربي إذ يقول: إِنَّمَا الأُمَمُ الأخْلاقُ مَا بَقِيَتْ فَإٍِنْ هُمُو ذَهَبتْ أَخْلاقُهُم ذَهَبُوا