تأملتُ وجه الطفلة التي كُنتُ أسكُبُ لها القهوة بنفسي، وأُقدِمُ لها الحلوى، لقد كانت تضعُ أحمر شفاه كالذي وضعته، وكنتُ للتو اشتريته. حين كُنتُ في مثلِ سِنِّها لم أكُن أجرؤ على وضع أي شيء يتعلق بالزينة ككحل وحمرة، وكُنَّا نُنهر عن دخول مجلس النساء فضلًا عن الجلوس فيه، كما كانت المنبهات ممنوعة تمامًا، ولم أعرف طعمها إلا حين كبرت. وكُنَّا نُضيف من هُنَّ أكبرُ منَّا لا كما يحدثُ الآن في بعض مجالس النساء، حيث تكون الفتيات في معزل عن الجميع، ولا يعرفن أصول الضيافة، ولا احترام الكبير وتقديره إلا من رحم الله. كثُرتْ الأجهزة وتعددت التطبيقات؛ فانعدمت الحركة، وعمَّت السُمنة، وقل التواصل بين النَّاس، بينما كان بالأمس لا يمنع البعض عن صلة رحمه إلا السفر أو المرض لا قدر الله. لم يكن هناك تكلف كالذي نراه اليوم في الموائد، كان التمر والقهوة يُغني عن ألف صنف من الحلوى، كان البعض يستقبل جيرانه بقلبه، ويقدم لهم ما يجده في بيته من أكله وشربه. حين ابتعدت القلوب عن بعضها، وتفشت المظاهر غاب الوصل الحقيقي، فالبيوت ضاقت بزائريها ولم تعد تتحمل! كلُّ شيء بين أيدينا الآن، ونستطيع أن نطلب ما نشاء ومتى نشاء من خلال أجهزتنا المحمولة. لكن من يُعيد لنا الأُلفة والعفوية في اجتماعاتنا؟!.