في حياتنا مشاهد تتكرّر يومياً وتنمّ عن ثقافة نعاني منها، ولست هنا أستخدم عبارة الكل بل أقصد الأغلب.. لذا استخدمت صيغة العموم اختصاراً وتسهيلاً.. في صباح كل يوم عمل أو يوم دراسي تعلن البيوت الانتفاضة غير الرسمية وتُقرع أجراس الطوارئ تحسّباً لبداية أزمة الاستيقاظ من النوم، طلاب وموظفون ويتم عمل كل شيء بسرعة فائقة.. فالنوم يكون إلى أقصى حدّ ممكن ثم النهوض سريعاً بعد مدّ وجزر بين الأم والأبناء أو الزوجة والزوج ويبدأ الوضع سلميّاً وقد يؤدي إلى استخدام القوة وبعض الأسلحة إذا لم تفلح الوسائل السلمية في الإيقاظ وبعدها تبدأ فنون (شغلتين في وقت واحد) تجهيز الحقيبة ولبس الملابس في نفس الوقت، ثم الخروج والهرولة سريعاً، وقد يصحب ذلك على الطاير كوب من القهوة في الطريق دون توقف، وتشغيل السيارة والانطلاق ثم (الانلطاع) والصبر والاحتساب عند إشارات المرور وما أكثرها وأطولها، وتحمل الطوابير الطويلة التي لا تنتهي، لا سيما وسط (التنظيم) الهائل من المرور، أما الموظف فهو يفعل كل ذلك إلا أن الشماغ يكون في المقعد الجانبي ولا يتم لبسه إلا عند باب المكتب تحسّباً لأي (مطبات) معترضة ومتوقعة قد تخرب (السكبة والرّزّه) وهذا أمر شبه محتوم نظراً لما تتمتع به شوارعنا من عرض للأزياء والموضة الخاص بالمطبات بمختلف أنواعها وأشكالها من منخفضات ومرتفعات متعاقبة وعميقة وواسعة تتجاوز توقعات وأذواق الجميع حتى نصل إلى مبتغانا إما العمل أو المدرسة بعد مغامرة يومية قبل نصف ثانية من الوقت المحدّد باختصار أن في كل صباح نصوّر أفلاماً لل(Action) ونستخدم شعار (يله يله) أي كل شيء بسرعة وفي وقت قصير. ذات يوم كنت عائداً من عملي وسرحت على غير العادة فلا يوجد ما يشدّني من مناظر خلابة أو نظام سير جميل يسمح لي بذلك إلا أن طابور الانتظار عند الإشارة كان أطول من طول العادة.. تذكّرت حينها ابتسامة الخواجات وعرفت سِرها، حيث لا يوجد ما يعكّر صفوها لديهم عكسنا.. لذا هي دائماً على محياهم، كما تذكّرت ذلك المنبه الذي صعقني أثناء خيالي في اليوم السابق وعكره، وقلت في نفسي (صدق ذاك المنبه وصاحبه حين قال ولا في الخيال) فعرفت سرّ الابتسامة للخواجات حينها..فسمح لي ذلك بالشرود الذهني قليلاً والاستمتاع بالخيال وتذكّرت حياة (الخواجات) في مختلف القارات وتخيّلت ابتساماتهم الدائمة حين يقابلونك في أي مكان بل قد يبادرونك بالتحية ويستمتعون بكل لحظة من وقتهم مهما كان اليوم يوم عمل أم إجازة، فقررت أن أتقمّص هذا الدور وعزمت على تغيير كل برنامجي اليومي، وأن أستيقظ قبل العادة بساعة إضافية وأتناول وجبة الإفطار وأقلب محطات الأخبار أو في الحديقة وأقلب صفحات الجريدة وألا أنظر إلى ساعتي لأترقب الوقت؛ لأنني أجزم بأني (لسّا بكّير) ثم أترزز أمام المرآة وأسكب شماغي وعقالي وأتوجّه إلى عملي بكل يُسر وسهولة وطمأنينة وأن أصل قبل الوقت بربع ساعة وخلال توقفي عند إشارات المرور ألتفت وأبتسم إلى جيراني في الإشارة ليبادرونني بذلك بالتأكيد، وأثناء هذا الخيال الجميل وإذا بصاعقة تدك مسامعي من منبه السيارة التي خلفي.. انتفضت أنا وسيارتي رعباً وهلعاً، فالأمر لم يكن يستدعي لكل تلك الرعونة في المنبه ولو اكتفى صاحبها بربع تلك القوة لكانت كفيلة بأن تنهي خيالي بشكل أجمل وأحرّك سيارتي ولا أعطله كذلك وكأن لسان حاله يقول لي ما راح يصير اللي في بالك «ولا في الخيال» ومع سوء هذا المؤشر الذي سبق قراري لم يثنني عن هِمتي وعزيمتي في اليوم التالي، وبدأت بمثل ما تخيّلته «ومشت أموري على ما يرام» ولكن حين خروجي من المنزل إذا بسيارة (تشطفني) بأقصى سرعة تلتها مطبة نسفت شماغي ونظارتي الشمسية وتحاملت على كل ذلك وتعلقت بقشة الأمل ووقفت عند الإشارة وحاولت الابتسامة لمن يقف بجواري إلا أن كل الأجواء كانت لا تجعلني أجرؤ على ذلك بعد أن توقفت أنا وجاري هذا خمس مرات في نفس الإشارة وبدأت السيارات تلتف من اليمين إلى اليسار وبالعكس وكأنها تقلد حركة الثعبان ووصلت لعملي كما وصلت أمس، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت وتعكّر مزاجي و(شانت نفسي)، وتذكّرت حينها ابتسامة الخواجات وعرفت سِرها حيث لا يوجد ما يعكّر صفوها لديهم عكسنا لذا هي دائماً على محياهم كما تذكّرت ذلك المنبه الذي صعقني أثناء خيالي في اليوم السابق وعكره وقلت في نفسي: (صدق ذاك المنبه وصاحبه حين قال ولا في الخيال) فعرفت سر الابتسامة للخواجات حينها.. ألقاكم الجمعة المقبلة.. في أمان الله . [email protected]