إنَّ الحديثَ عن الأخ الحبيب الصديق ثامر الميمان -يرحمه الله- يستحقُّ أن يؤلَّف فيه كتاب، وأيّ كتابٍ ليتمَّ عرض مراحل حياته، منذ نعومة أظفاره، وحتَّى آخر يوم فيها، عرفتك عن كثب أبا بدر، فلقد مرَّ -رحمه الله- بظروفٍ عصيبةٍ شديدةٍ قاسيةٍ، وإنَّ عبور تلك الظروف ومماشاتها، وتخطِّيها، والتغلُّب عليها استنزف وأخذ من حياته الشيءَ الكثيرَ، فأوهنته وأضعفته، ولكنَّها لم تجعله يتوارى ويتخفَّى، بل كانت دافعًا قويًّا لأن يمضي قُدمًا، ويسير في دروب الحياة المضنية، فواجه كلَّ العوائق والموانع والعراقيل، إنَّ كلَّ هذا وذاك بثَّ وخَلَقَ وزرعَ في نفسه قدرةً وصمودًا استمدهما من الخالق -جلَّ وعلا- وبدعم ومساندة ودعاء وحب ورضا والدته السيدة فاطمة -رحمة الله عليهما- تلك الأم كان لها الأثر الفعَّال القوي الجم؛ ليكون ويتحوَّل أبو بدر من إنسانٍ منسيٍّ إلى شخصيَّةٍ معروفةٍ في المجتمع، شخصيَّة متعلِّمة، مثقَّفة، محاكية، متَّسعة الأفق والعلاقات، ودرجة قبول لذاته من كلِّ مَن يقرِّب منه، بل أكاد أجزم لكلِّ مَن قرأ له عموده اليومي (رزقي على الله)، الذي يتناول فيه قضايا، ومشكلات، واحتياجات، وحلول لإنسان المجتمع، مركِّزًا على شريحة المجتمع المتوسط فما دون. هو ثامر الإنسان، صريح للغاية، صادق معين، حلو النفس، لاذع، قادر على استخدام المفردات اللغويَّة وتوظيفها، بل واللعب بها؛ ما جعله كاتبًا مرموقًا، ذا نهج معروف قويٍّ، يغلب عليه الأسلوب الساخر، الذي اتفق عليه معجبوه؛ لدرجة أنَّه يستطيع أن يبكيك في أول سطوره، ثم يجعلك تقهقه -وبصوت عالٍ- في سطور مقاله الأخيرة. أبو بدر مجموعة إنسان، رافقته أكثر من ثلاثين عامًا، جلُّها في العمل الإعلامي في الخطوط السعوديَّة، فكان نصيرًا لكلِّ مَن يطلب منه ذلك، أو من يسمع معاناته من الآخرين، أبو بدر إضافةً لتخصُّصه في العلوم السياسيَّة، إلاَّ أنَّه إعلاميٌّ قديرٌ مميزٌ في شارع الصحافة، وشاعرٌ متدفقٌ، وفنان له ذائقة جميلة، وفنان أدَّى أدوارًا متعدِّدة على مسرح الحياة، فبرع وترك بصمة وطابعًا جميلاً، وعندما ضاقت عليه الدنيا بما رحبت، وبما لديه من مناعة، أجاد دور الانصياع لهذه الحياة، وهو يعلم أن ما باليد حيلة. كابد وحاول وعانى من كلِّ شيءٍ، وتحوَّل كلُّ ذلك إلى قوَّةِ صبرٍ وعزيمة وشكيمة، حماه من مجريات الظروف الحالكة، ولتصبح لديه ملكة لتطويعها وتشكيلها وتخفيفها إلى الأبسط والأيسر، بالاستعانة بالله، وهذا ما وجدته ولاحظته ولمسته في فترة مرضه الأخيرة، حيث كان يحتويه ويكتنفه رضا عارم بما ألمَّ به من ألم ومرض، فكان يخفف على نفسه بنفسه، بأنَّ ما به قدرٌ مقدورٌ، وقوَّةُ إيمانه بأنَّ اللهَ هو الشافي، وكان لديه درجة قبول بما آلت إليه صحة جسده وبدنه، وهو في هذا السن، كان ثامر يحكي لنا عن مناجاته، وتحاوره مع ربه، بأن يخفف عنه بإيمان قويٍّ بقضاء الله وقدره. أخي ثامر.. لقد تركتَ في نفوسِ محبيك وقرائك سيرةً جميلةً، ولكنَّنا نفتقدكَ الآن، ونعلم أننا نسيرُ في نفس الطريق، بل وإليه ماضون، فإلى جنَّة الخلد مآلك -بإذن الله-.