قال أحدُهم: إنِّي لا أشعرُ بالغربةِ في طيبة الطيبة. فقلتُ يا صديقي: إنَّها المدينةُ التي احتضنت خيرَ الأنامِ، شفيعَ الأمّةِ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أليست مهاجره، وفيها مسجده، وقبره؟ لقد تنفَّس ثراها أثره، وسار أهلها على منهجه، وتنافس القوم (من مهاجرين وأنصار) في حبِّه ورضاه. لقد فداه القومُ بأرواحهم، وأموالهم، وناصروه، أليست المدينة مَن يأرز إليها الإيمان؟ أليست أحبَّ البقاع إلى الله؟ إنَّها كذلك، بل وأكثر من ذلك، كم تبدو الدنيا ضئيلة، كنت أتأمَّل قبل سنوات عندما أخرج من باب جبريل في الحرم المدني، فيكون أمامي البقيع، ومستشفى الولادة والأطفال السابق، إنَّ هذين الموقعين يختصران مشهد الحياة الدنيا، فالبقيع يمثِّلُ صالة مغادرة إلى الدار الآخرة، ومستشفى الولادة يمثِّل صالةَ قدوم إلى الحياة الدُّنيا. يا لهذه الدنيا الفانية، قد يخسر الإنسان كلَّ أقربائه وأصدقائه في سبيل الحصول على شيءٍ ربما ظلمًا وعدوانًا، وربما تكالبت عليه الشهوات والمغريات، فيخسر دينه، أي دنيا تستحق كلّ هذه الخسائر الفادحة؟! العاقل من اتَّعظ وعمل لما بعد الموت.. (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).