لم يكن يخطر ببالي وأنا أنطلق في رحلتي إلى عالم المعاقين على كرسي متحرك ذي 4 عجلات، أن الجهة المعنية أكثر من غيرها بتوفير الخدمات لذوي الاحتياجات الخاصة ورعايتهم، ستكون في قائمة الجهات، التي لا توفر تلك الخدمات الضرورية، التي تسهم في تسهيل حياة أشخاص لا يحلمون سوى بموقف خاص للمركبات، وممر مخصص لكراسيهم المتحركة في مختلف المواقع، التي يترددون عليها لإنجاز هذه المعاملة أو تلك.. فعندما يتحرك المرء على كرسي ذي عجلات، مثلما فعلت ليومين متتالين، يكتشف حجم المعاناة، التي يسببها الإهمال والتجاهل وعدم الاهتمام باحتياجات هذه الفئة، ما يجعل بعض التفاصيل، التي تعتبر بسيطة للشخص السليم في الشارع أو المسجد وبعض الدوائر الحكومية، تتحول إلى معاناة لا توصف بالنسبة للشخص المعاق حركيا. بداية الرحلة بدأت رحلتي على الكرسي ذي العجلات بعد اتصلت على أحد أصدقائي ليعيرني كرسي جدته المتحرك، لأنطلق في رحلتي الصحفية على أربع عجلات، والتي قادتني إلى مواقع مختلفة، حيث قصدت المسجد، وعبرت أحد الشوارع، وتوجهت إلى المتنزهات العامة وزرت العديد من الدوائر الحكومية كي أرسم صورة لحجم المعاناة والصعوبات في حياة العديد من أصحاب الكراسي المتحركة. مواقف «التنمية الاجتماعية» أول محطة خطر لي زيارتها على كرسي الإعاقة هي الدوائر الحكومية، وطافت برأسي العديد من التساؤلات: هل هذه الدوائر مجهزة بكل الخدمات، التي تسهل على ذوي الاحتياجات الخاصة أثناء مراجعته لمعاملة تخصهم؟ كيف ستكون الخدمة المقدمة لهم؟ ما هي الجهات الحكومية، التي تهمل هذه الفئة من المجتمع؟ انطلقت من مقر الصحيفة أبحث عن الدوائر الحكومية في شوارع جدة، فوجدت أمامي مقر فرع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بمنطقة مكةالمكرمة، ودخلت المبنى حتى أبحث عن الخدمات، التي تقدم لفئة المعاقين فلمحت أمامي المنحدر، الذي يصل إلى البوابة الرئيسة فتفاءلت بذلك، وأكملت بحثي داخل الساحات عن مواقف خاصة للمعاقين، ولكن لم أجد موقفا واحدا مخصصا لذوي الاحتياجات، وصادفت أحد الموظفين خارج المبنى فتوقفت وسألته: هل يوجد موقف للمعاقين، فأجاب: لا يوجد وتستطيع أن تقف في أي مكان تريد. قصة بوابة المعاقين في الضمان خرجت من مبنى فرع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، متوجها إلى مقر الضمان الاجتماعي بحي الكندرة، والذي يخدم مراجعين من كبار السن وأصحاب الإعاقات، حتى أرى مدى اهتمام الوزارة بهذه الفئة وعند وصولي كان المكان مكتظا بسيارات المراجعين ولا يوجد موقف خال ولم أجد موقفًا عليه شعار لذوي الاحتياجات الخاصة، وبقيت 15 دقيقة أبحث عن موقف لذوي الاحتياجات فلم أجد، وفي النهاية وجدت مكانا لا يبعد عن المبنى مسافة طويلة وساعدني زميلي المصور في النزول من السيارة على كرسي المتحرك، وانطلقت إلى المبنى على أسفلت تتوزع عليه الحفر والتشققات، حتى وصلت إلى موظفين عند بوابة الدخول فسألتهم: أين مواقف ذوي الاحتياجات الخاصة؟ فرد علي أحدهم: ليس في الضمان الاجتماعي مواقف مخصصة لكم! فقلت له: أوقفت سيارتي بعيدا عن المبنى والطريق إليها يتطلب مجهودا كبيرا، هل أستطيع أن أدخل بسيارتي داخل المبنى، فقال: لا يمكنك فذلك يحق للموظفين فقط.. تركته وأكملت طريقي إلى المبنى ووجدت المنحدر بجانب الدرج ينتهي بباب زجاجي كهربائي عليه لافتة مكتوب عليها لذوي الاحتياجات الخاصة، فعرفت أن هذا المسار والباب مخصص لي وعندما صعدت المنحدر ووقفت أمام الباب لم يفتح، فاستدعيت حارس الأمن من خارج الباب، وأتى واصطحبني من الباب الرئيس وأدخلني المبنى، وعند سؤالي له لم أغلقتم بوابة ذوي الاحتياجات الخاصة قال: «ماله داع نفتحه، خلاص يجي من الباب الرئيس»، وبعد أن أنهى جملته قلت له أخرجني من المبنى أريد أن أرجع لسيارتي. منحدر طويل بعد تجربة الضمان، ذهبت إلى فرع وزارة العمل بمنطقة مكةالمكرمة الجديد بحي البغدادية وتكررت نفس المعاناة عندما وصلت للموقع وأحسست بعدم الاهتمام، ولم يكن هنالك موقف خاص لذوي الاحتياجات، والمواقف الأمامية للبوابة الرئيسة مكتظة بالسيارات، مما جعلني أقف خلف المبنى في قطعة أرض ترابية يصعب السير بها بالكرسي المتحرك، توجهت إلى محطتي الجديدة، وكانت مكتب العمل للاستقدام في حي الصفا، وهو من الأماكن، التي يرتادها الكثير من أصحاب الكراسي المتحركة ليستخرجوا تأشيرات العمالة، التي تخدمهم في حياتهم اليومية، وصلت المبنى ووجدت أمامي نفس المشكلة، التي صادفتها عند مبنى الشؤون الاجتماعية، لا يوجد مواقف مخصصة لذوي الاحتياجات فاضطررت أن أقف بسيارتي بعيدا وتحركت حتى وصلت لمدخل وفيه منحدر وضع لذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن المشكلة ليست في وجود المنحدر، بل في تصميمه فهو مرتفع جدًا ومسافته طويلة فلم أستطع أبدًا أن أجتازه إلا بمساعدة أحد المراجعين وحين وقفت وأردت عبور البوابة وإكمال طريقي إلى داخل المبني أوقفني حارس الأمن وقال: لا تدخل سوف يأتيك الموظف في مكانك، وانتظرت ولم يأت الموظف وقام حارس الأمن بخدمتي وسلمني استمارة لاستخراج تأشيرة سائق، وبعد ذلك سألته هل يوجد دورات مياه في المبنى: أجابني بنعم وأخذ يدفعني حتى وصلنا إلى دورات المياه، ولكن ما صدمني أنها ليست مخصصة لذوي الاحتياجات، فقلت للحارس: لا يمكن أن أدخل دورة المياه فأنا مقعد ولا أستطيع التحرك بحرية بداخلها، فأجابني بأنه لا يوجد غيرها. الأحوال المدنية وفي اليوم التالي توجهت إلى مكتب الأحوال المدنية بحي الصفا، حيث وجدت مواقف لذوي الاحتياجات الخاصة ولا يسمح لأي أحد مهما كان أن يقف في أماكنهم إلا ببطاقة تعرفه بأنه معاق، ولذلك أردت أن أرى هل سيسمحون لي بالدخول بسيارتي حتى يمكنني ركنها وأنا مقعد، فواجهني رفض تام من حارس أمن البوابة لدخولي إلا ببطاقة تعرف بأنني معاق، وعندما تمكنت من الدخول وجدت المساعدة من جميع الموظفين. سليم يستولي على موقف معاقين لم تقتصر رحلتي على الكرسي المتحرك على الدوائر الحكومية فقط، حيث ذهبت إلى مستشفى جامعة الملك عبدالعزيز، ووجدت مواقف مخصصة لذوي الاحتياجات، ولكن حينما هممت بالوقوف في أحدها أتت سيارة مسرعة ووقفت قبلي في مكان مخصص لذوي الاحتياجات وخرج صاحبها من سيارته مسرعا إلى المستشفى، ولم أبق صامتًا فرفعت صوتي مخاطبا أحد حراس الأمن الجامعي بأن هذا الشخص وقف أمامي وأخذ موقفي وهو شخص سليم، هل تستطيع أن تفعل شيئًا، فرد على قائلًا: ابحث عن موقف ثان كل الناس يقفون في أي موقف، سواء كان لذوي الاحتياجات الخاصة أو لا. معاناة دخول المسجد: ذهبت إلى أحد المساجد بجنوب جدة، حيث أصبحت حائرًا في أمري كيف أصل إلى الداخل لأداء الفريضة؟ حيث لا يوجد طريق ممهد لذوي الاحتياجات الخاصة، وكان أمامي ثلاثة عوائق لا يراها الشخص السليم مشكلة، وهي تعتبر حواجز لا يمكن تخطيها بالنسبة لمن هم على كرسي متحرك وهي: رصيف عال جدًا ويليه عتبة مكونة من خمس درجات وأحذية متناثرة تعيق الدخول إلى المسجد، حاولت أن أعتمد على نفسي كي أجتاز العائق الأول وهو الرصيف واستجمعت قوتي لأصعد الرصيف وكانت النتيجة سقوطي على الأرض، وقام بمساعدتي 4 من المصلين شاهدوا فشلي في صعودي على الرصيف، وأعادوني على الكرسي المتحرك.