كان العرب قبل الإسلام أمة أميّة كما وصفهم الله سبحانه وتعالى في قوله (هُوَ ألَّذِى بَعَثَ في الأميين رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ ألْكِتَابَ وَألْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لفي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) فكانوا أمة لا تجيد صنع أي منتج حضاري ماعدا البدائية منها من كساء ودواء وغذاء أما فنون الشعر والخطابة فقد أبدعوا فيها وتجلوا أعلى درجات التجلي وخاصة في جانب المفاخرة بالأنساب والقتال المنتفخة بالهياط كما تؤكد ذلك حروبهم المستدامة على أتفه الأسباب ومعلقاتهم السبع التي نستشف منها صورة واضحة وجلية عن الحال التي كانوا يعيشونها في تلك الفترة. وسوف نختار لكم البعض اليسير منها فعلى سبيل المثال لا الحصر ما تضمنته معلقة عمرو بن كلثوم في جانب المفاخرة حيث يقول : بأنا المطعمون إذا قدرنا ** وأنا المهلكون إذا ابتلينا وأنا المانعون لما أردنا ** وأنا النازلون بحيث شينا وأنا التاركون إذا سخطنا ** وأنا الآخذون إذا رضينا وأنا العاصمون إذا أطعنا ** وأنا العازمون إذا عُصينا ونشرب إن وردنا الماء صفواً**ويشرب غيرنا كدراً وطينا ملأنا البر حتى ضاق عنا **وماء البحر نملؤه سفينا إذا بلغ الفطام لنا صبي ** تخر له الجبابر ساجدين فكل تلك الخصال التي سموا بها أنفسهم ك «المطعمون والمهلكون والمانعون والنازلون والتاركون والآخذون والعاصمون والعازمون» كانت مفاخرة أمام إخوانهم أبناء القبائل العربية الأخرى من العرب ولم تكن أمام الأمم الأخرى كالفرس والروم . وفي جانب القتل وإراقة الدماء لأتفه الأسباب مع إخوانهم العرب من القبائل الأخرى يقول عمرو بن كلثوم : نشق بها رؤوس القوم شقا ** ونخليها الرقاب فيختلينا كأن جماجم الأبطال منهم ** وسوقا بالأماعر يرتمينا نجز رؤوسهم في غير بر ** فما يدرون ماذا يتقونا كأن سيوفنا منا ومنهم ** مخاريق بأيدي لاعبينا كأن ثيابنا منا ومنهم ** خضبن بأرجوان أو طلينا بشبان يرون القتل مجدا ** وشيب في الحروب مجربينا ألا لايجهلن أحد علينا ** فنجهل فوق جهل الجاهلينا ثم يبقى بعد ذلك طرح التساؤل العريض الذي يمتد بامتداد الوطن العربي الكبير والذي مفاده : ماذا بعد ان أرسل الله سبحانه رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم لهم ليَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِ الله وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمهُمُ ألْكِتَابَ والحكمة هل امتثلوا لتلك الأوامر الربانية ؟ نعم امتثلوا ولكن للفترة التي عاشها معهم نبي الله لتكوين الأنموذج الفاضل الذي يرتكز على الالتزام بمضامين الكتاب وطلب الحكمة التي تقوم على التفكير المبدع الناضج المنتج لكنهم انتكسوا في الالتزام بتلك التعليمات الربانية بعد موته صلى الله عليه وسلم فعادوا مرة أخرى الى الاقتتال فيما بينهم فكانت معركة الجمل ثم صفين ثم النهروان وتتابعت الأحداث المؤلمة من الاقتتال بينهم عبر العصور حتى يومنا هذا وتناسوا طلب الحكمة والتدبر والتفكر التي كلفوا بها وانشغلوا بالاقتتال والتصنيف المجتمعي فتنامت الكثير من التصنيفات المذهبية والطائفية كما انشغلوا أيضا بتصنيف أفراد المجتمع تصنيفات لاتنم إلا عن الجهل والمفاخرة التي عاشها أجدادهم الجاهليون كمثل تسمية البعض منهم بالإخوان بما يوحي أن غيرهم غير ذلك،وكمسمى حزب الله وانصار الله وماشابه ذلك بما يوحي أن غيرهم ليسوا كذلك وهكذا تنامت تلك المسميات التصنيفية الموصوفة بالكثير من التبجيل الذي يتنافي تماماً مع تعليمات ديننا الحنيف ويتفق تماماً مع ماكان يردده أجدادنا في العصر الجاهلي وما ردده أصحاب المعلقات كمعلقة عمرو بن كلثوم سالفة الذكر وما أشبه الليلة بالبارحة. والله من وراء القصد.