بينما نجح مغامر نمساوي في القفز من على حافة الغلاف الجوي من على بعد 39068 مترًا فوق سطح البحر وبلغت سرعة السقوط القصوى 1173 كم في الساعة، واستمر القفز الحر لمدة 4:19 دقائق قبل فتح المظلة، وصل بعدها بسلام إلى الأرض وسار على قدميه، اكتفى بعضنا بالتشكيك في هذا الإنجاز العلمي الجبّار، واعتبر أحد كُتَّابنا هذه القفزة مسرحية كان يظن أنها اندثرت قبل أربعين سنة، مثلها مثل الهبوط على سطح القمر، التي اعتبرها «فصل كوميدي في مسرحية الحرب الباردة»! بينما رأت كاتبة سعودية من جهة أخرى أن قفزة فيليكس هي «مجرد خدعة من خدع أمريكا»، وأنها «مهزلة» تحاول أمريكا إقناعنا بها!! وكأننا مركز الكون الذي تُحيك أمريكا المؤامرات والخدع وتُجري التجارب العلمية، الحقيقي منها والوهمي، لخداعنا بها من بين كل شعوب العالم الأخرى الذي يفوق عدد سكانها الستة مليارات نسمة.. لأي شيء.. لا أدري؟! ولعل أوقع تعليق أجاد صاحبه في وصف هذه الحالة من التشكيك والإسقاطات الحلمنتيشية قرأتها في تغريدة علي تويتر قال صاحبها @ar1403: «مو معقولة فيليكس يتدرب على القفزة 7 سنين ويتم تصميم بدلة خاصة بتعاون عدة شركات وحالتهم حالة بس عشان يضحكون علينا.. ترا محد درا عنا»!! إلا أنه تفكير يُعبّر عنه بصدق المثل أو الحكمة التي تقول: «إن الإنسان عدو ما يجهله»، فهذا الجهل هو الذي عادة ما يقود معظم تعاملنا مع كل جديد في كافة الأصعدة العلمية والثقافية والاختراقات التي يُحقِّقها علماء الغرب في شتي المجالات الحياتية. جميل بالطبع أن نعترف بجهلنا وقلة حيلتنا وهواننا على العلم.. ولكن العجيب أن نجهل ثم نسمو بجهلنا في محاولة تجاهل إنجازات تفوق فهمنا واستيعابنا بدعوى أنها لا يمكن أن تحدث "علميًا"؟! فلا إننا سكتنا ودارينا جهلنا عن العالم، ولا إننا سلّمنا بالتفوق العملي الذي يُحققه أصحاب العقول التي أتاها الله العلم لتنعم. فيصدق فينا قول الشاعر الجاهلي "عمرو بن كلثوم" في مُعلقته الشهيرة التي يقول في أحد أبياتها: "ألا لا يجهلن أحدٌ علينا... فنجهل فوق جهل الجاهلينا". وهو فخر قائم على مجرد العنجهية الكلامية التي تُحقِّر الآخرين وتستهين بهم، وتحمل في داخلها تمييزًا عنصريًا واضحًا في جل أبيات القصيدة يقع ضمن ما نهى عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم من "جاهلية منتنة"، خاصة إذا قامت دون أساس وبلا منطق ولا عقل ولا حكمة! أما الذين تعاملوا مع الحدث، وأقصد به قفزة فيليكس، بالسخرية والتنكيت فإنهم، في رأيي، أكثر صدقًا مع أنفسهم ومع واقعهم العملي والحياتي. فقد عكست هذه السخرية مرارة تنتقد بشكل غير مباشر أوضاع بلدانهم، فهي سخرية وتنكيت أقرب إلي البكاء والعويل على ما أضحت عليه حال أمتهم التي كانت يومًا من الأيام رائدة في ميادين العلم والحياة. * نافذة صغيرة: (فيليكس كسر حاجز الخوف من اللاشيء. لماذا لا نقتفي خطاه ونكسر حواجز الصمت والخوف، أي إنسان يمتلك الإرادة سيكون فيليكس في مجاله).. "الود طبعي". [email protected]