جنازة تلو الأخرى.. ووفاة عقب وفاة.. فالدُّنيا دار فناء.. أخبار الأموات تنزل بنا كالصواعق من السماء.. فلان مات بمرض، أو خطأ طبي عجز عنه الأطباء.. وآخر بحادث سيارة لم يبقَ منه سوى أشلاء.. وآخر نام ولم يستيقظ توقف قلبه في عز الشتاء.. تركوا الدنيا بلا مقدِّمات، ولا موعد، ولا وداع كالغرباء.. كانوا بالأمس معنا، واليوم ندفنهم تحت التراب، لم يبقَ منهم سوى ذكرى، وعمل، ولن ننساهم من الدعاء.. نختلف في الأوطان والأديان، ونتسابق مع الحياة لإرضاء غرائزنا، ويبقى الموت مصيرًا وجزاء.. عظيم هو الموت لا يوجع الموتى، بل يوجع الأحياء.. يباغتنا.. ينتشل أحبابنا كالعاصفة الهوجاء.. ننام على أصواتهم، ونستيقظ على وفاتهم، ووقفة عزاء.. نخاف الموت من سوء أعمالنا، وإن جاء الموت يستحيل الاختباء.. فالموت زائر كل بيت لا محالة، فلم يسلم منه الأنبياء.. هذه الدنيا لا تستحق الحقد والقتل والبغي.. فاغفروا، وسامحوا، وعيشوا بسلام وإخاء.. تجاوزوا عن مَن تحبون، وكونوا ببعضكم رحماء.. وأقيموا الصلاة في وقتها ليرثها منكم الورثاء.. لن ينفع ندم ولا بكاء، ولا رسائل اعتذار بعد فقد الأحباء.. عبِّروا عن حبِّكم وامتنانكم لآبائكم، وأمهاتكم، وإخوتكم، وفلذات أكبادكم، ولا تضمنوا للغد بقاء.. كونوا متسامحين متفائلين ودودين كالأطفال، وتناسوا تلك الجروح، وأحقنوا الدماء.. فلا تعلم متى المنيَّة تحين في صباح مشرق أو ليلة ظلماء.. فيارب أحسن خاتمتنا، وأرحم من مات من أمة محمد، وأرسل على قبورهم بردًا وسلامًا إلى يوم اللقاء.