فجعنا بالأمس بموت أحد الزملاء التربويين من الذين نحسبهم والله حسيبهم من أهل الصلاح ، وممن لهم جهودهم في التربية وحب الخير وكما هو معلوم أن خير واعظ ومذكر هو الموت ومن لم يحرك قلبه فَقْد الأصحاب والأحباب فليبك حاله وعمره . وتساءلت حينها هل أعددنا العدة لذلك اليوم ! أم لا زال الأمل يغرنا ، والصحة تلهينا ، والشباب يُغْرِينا ! فالله المستعان … لو نظرنا لحالنا لوجدنا أننا منقسمون إلى أنواع ثلاثة : ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ فالمقتصد هو من فعل الواجب وترك المحرم ، والسابق بالخيرات هو الذي فعل الواجب والمستحب وترك المحرم وأيضًا حذر وجانب المكروه وسابق في الخيرات ، وهذان وعدهما الله بالجنة لكن السؤال هل يضمنان الثبات على الهدى والصلاح ؟ خاصة ونحن في زمن الفتن ، وقلوبنا تتقلب بين الإيمان والكفر بمشيئة الله ( إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) لذا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) فلا يغتر محسن بعمله وليحرص على سؤال الله الثبات وحسن الخاتمة . وبما أن أغلبنا من الظالم لنفسه فنحن أولى أن نتوب ونرجع فلا أحد يضمن أنه سيبقى لغد ، ولا مجال للتوبة عندما تحين لحظة الموت والموفق من وفقه الله للتوبة والاجتهاد قبيل الموت ، فحَسُنت خاتمته . عندما أتذكر زميلي رحمه الله أغبطه على تلك الخاتمة الحسنة ، كان كمن يعلم بدنو أجله ، فمع دخول رمضان قاطع الوسائل الاجتماعية واعتذر من رئيس المجموعة التي كانت تجمع زملاء المهنة وعلل ذلك بأنها قد ألهته عن رمضان ورمضان إذا ذهب لا يعود … ثم يغرد قبل موته بيوم قائلا : ( حقيقة . . لا أحد يبقى لأحد أو من أجل أحد .. كلنا في النهاية عابرون لا خلود يجمعنا .. إلا في . . الجنة . فياربّ .. رضاك والجنة ) يا سبحان الله ! ( فياربّ .. رضاك والجنة ) لعلها وافقت ساعة استجابة ، فاختاره الله لجواره في أفضل شهر وعلى أحسن حال وبأيسر ميتة ، فقد مات بسكتة قلبية وهو في أتم صحة وعافية ( فياربّ .. رضاك والجنة ) وهل لنا من مبتغى بعدها ! كلنا نجتهد في هذه الدنيا لطلب الرضا من الله والجنة وإني لأرجوها لأبي عبدالرحمن بفضل الله ورحمته وكرمه فلا نتساهل في الدعاء ولنتحين ساعات الإجابة لعلنا نوافق بابا مفتوحا فننال من كرم الله وعفوه ولنحرص على صلاح قلوبنا لعلها تثبت عند الحاجة والشدائد فإنما الأعمال بالخواتيم فاللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها ولنحرص على مايعين على الصلاح والخير وحسن العاقبة من الصدقة والبر وغيرهما فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ( إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء ) وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها ( قال: ثم أي؟ قال: (ثم بر الوالدين). قال: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله) وقال صلى الله عليه وسلم: (من أرضى والديه فقد أرضى الله، ومن أسخط والديه فقد أسخط الله) كما أن بر الوالدين من أسباب الفوز بمنزلة المجاهد: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أشتهي الجهاد، ولا أقدر عليه. فقال صلى الله عليه وسلم: (هل بقي من والديك أحد؟). قال: أمي. قال: (فاسأل الله في برها، فإذا فعلتَ ذلك فأنت حاجٌّ ومعتمر ومجاهد) الطبراني ووالله ما علمته إلا بارا بوالدته حريصا على زيارتها كل مغرب برا بها وحبا لها ، فما أسعده والله وقد علمنا مما سبق من الأحاديث جزاء ذلك البر علاوة على ما يناله من دعائها الصالح المستجاب ! ولا شك أنه أصابه شيء من خير دعائها فاختاره الله وأحسن خاتمته وكل من رآه بعد تجهيزه وتغسيله فرح بحاله ومنظره ولا سيما وقد رفع سبابته متشهدا فاللهم أحسن خاتمتنا واجمعنا به ووالدينا وموتانا والمسلمين في الفردوس الأعلى من الجنة . رابط الخبر بصحيفة الوئام: كفى بالموت واعظا