تكتنز المصنَّفات الأدبيَّة والذَّخائر التُّراثيَّة كمًّا لا يُحصى من اللَّفتات الأدبيَّة، والنَّظرات العميقة، والحكم البديعة التي نثرها الأدباء والحكماء وأرباب الكلمة البليغة في تلك المصنَّفات الأدبيَّة، التي هي خير دليل على ثراء الجانب الأدبي عبر قرون متوالية من الزَّمان هذا من جهة، وأهميَّة الكلمة الأدبيَّة في الرُّقيِّ بالقيم الإنسانيَّة من جهة أُخرى، فقد تداول أرباب الأدب مقولات موروثة تكشف عن مكانة هذا الجانب، وتفصح عن أثره في الإرتقاء بالذَّوق الأدبي، والحسِّ اللغوي، والمقدرة البيانيَّة العالية التي يتعاطاها من أُوتي نصيبًا من تلك الفنون الأدبيَّة، والنَّماذج المكتنزة بالكلمة الهادفة، والرؤية البديعة، والحكمة البليغة، وقد نبَّه إلى ذلك بعض أرباب البيان والفصاحة، يقول عبدالملك بن مروان: «ما النَّاس إلى شيءٍ من الأدب أحوج منهم إلى إقامة ألسنتهم التي بها يتعاودون الكلام، ويتعاطون البيان، ويتهادون الحكمة، ويستخرجون غوامض العلم من مخابئها، ويجمعون ما تفرَّق منها، فإنَّ الكلام قاضٍ بين الخصوم، وضياء يجلو الظُّلم، حاجة النَّاس إلى موادّه حاجة النَّاس إلى موادّ الأغذية». وقال أحد حكماء الفرس «بزرجمهر» في مقولاته الحكيمة: «ما وَرَّثَتِ الآباءُ الأبناءَ شيئًا أفضل من الأدب: إنَّها إذا وَرَّثَتْهَا الآداب كسبت بالآداب الأموالَ والجاهَ والإخوانَ والدِّينَ والدُّنيَا والآخرةَ، وإذا ما وَرَّثْتَها الأموالَ تَلِفَت الأموالُ، وغدت عُدمًا من الأموالِ والآدابِ». وكان بعض الخلفاء يعتني ببذل النَّصيحة لمؤدِّبي أبنائه ومعلِّميهم؛ ليسلكوا المنهج الأصوب في تعليم الأبناء، فقد أُثر عن الخليفة عبدالملك بن مروان أنَّه قال لمؤدِّب ولده -وكان رجلاً من بني زُهرَة-: «عَلِّمهم الصِّدق كما تعلِّمهم القرآن، واحملهم على الأخلاق الجميلة، وروِّهم الشِّعرَ يشجعوا وينجدوا، وجالس بهم أشراف النَّاس وأهل العلم منهم، فإنَّهم أحسن النَّاس ورعًا، وأحسنهم أدبًا، وجنِّبهم السَّفِلَةَ والخدم، فإنَّهم أَسْوَأُ النَّاس رِعَةً وأَسْوَأهم أدبًا». وأورد الأمير الشَّاعر أسامة بن منقذ الكناني في مصنَّفه «لباب الألباب» جملة من المقولات في مكانة الأدب في التَّربية والتَّعليم، وتنمية الذَّوق الأدبي، وامتلاك القيم الرَّفيعة، والأخلاق الفاضلة التي هي أعظم ميراث، ومن جملة ما أورد مقولة أحد الحكماء: «الأدبُ خيرُ ميراثٍ، وحُسنُ الخلقِ خيرُ قرينٍ، والتوفيقُ خيرُ قائدٍ، والاجتهادُ أربحُ بضاعةٍ، ولا مال أَعْوَدُ من العقلِ، ولا مصيبة أعظم من الجهل، ولا ظهير أوثق من المشورة، ولا وحدة أوحش من العُجْب». وقال رجلٌ من قيس لرجل من قريش: اطلب الأدب فإنَّه زيادةٌ في العقلِ، ودليلٌ على المروءةِ، وحليةٌ في المجلسِ، وأنشد هذه الأبيات: تعلَّم فليسَ المرءُ يولدُ عالمًا وَلَيْسَ أخُو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ فإنَّ كَبِيرَ الْقَوْمِ لاَ علْمَ عِنْدَهُ صَغيرٌ إذَا ضُمَّتْ عليهِ المحَافِلُ ولا ترضَ من عيشٍ بُدونٍ، ولا يكنْ نصيبُكَ إرثٌ قدَّمته الأوائلُ وقال أحد الحكماء في منزلة صفة الأدب لحاملها ومكتسبها: «مَن كثرُ أدبُه شرُفَ وإنْ كانَ وضيعًا، وسادَ وإنْ كانَ غريبًا، وكثرُت الحاجةُ إليهِ وإنْ كانَ فقيرًا». وللحديث بقيَّة إن شاء الله.