تأتي هذه القراءة الموجزة تضامنًا وتزامنًا مع ملتقى النقد الأدبي في المملكة العربية السعودية الذي نظمه نادي الرياض الأدبي في دورته السادسة بعنوان (القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية، مقاربات في المنجز النقدي)، وقد انتهت فعاليات ذلك الملتقى مؤخرًا. ولئن أولى ذلك الملتقى اهتمامًا بنقد النقد، أو قراءة القراءة، فقد جاءت هذه القراءة إسهامًا نقديًا ضمن الحقل القصصي في مملكتنا الغالية، قد تختلف في سننها عن توجه ذلك الملتقى النقدي لكنها تكشف عن قراءة نقدية تتطلع إلى الحث على قراءات أخرى، سواء على مستوى النقد، أو نقد النقد. إن دراسة القصة القصيرة جدًا (الفلاش باك)، أو الومضة، أو (ق.ق.ج) ما زال يحتاج من الدارسين إلى جهود أكثر للكشف عن جمالياته العديدة، ولعل من تلك الجهود مقاربته وفق المناهج النقدية الحديثة، كالتداولية، والسيميائية ونحوهما، وهذا ما دعانا إلى الكشف عن دلالات عتبة عنوان مجموعة البكر القصصية (كحل عينكِ صار خالا) ضمن تلك المناهج الحديثة، فحاولنا تناولها تناولًا سيميائيًا. وتعد عناوين القصص بوابة عبور، تمنح القراء القدرة على اكتشاف أغوار الكتابة القصصية، فهي تستميل القارئ إلى الانسياق وراءها حتى يغوص في أعماق النصوص القصصية التي تتوالد من تحتها شيئًا فشيئًا. فعتبة العنوان لا تعدو أن تظل في دلالتها المعجمية وسمًا للمجموعات القصصية وعلامة عليها، فهي إشارة للبدء، ولوحة إعلان إشهارية مثيرة، وظاهرة فنية جمالية، تحتل صدارة الفضاءات النصية القصصية، كما تعد من أهم المفاتيح التأويلية التي تحرك القراء والمتلقين، كما أنها الرابط الأساسي الواصل بين القارئ والنص، والعجلة التي تدفع القارئ إلى النظر في مختلف العلاقات والروابط الممكنة بينه وبين النصوص القصصية، بالإضافة إلى النظر في الدوافع التي دعت الكتاب إلى اختيار هاته العناوين دون سواها، وهي أيضًا ما يحفّز القراء ويدفعهم إلى تفكيك النصوص القصصية، واستنطاق معانيها ودلالاتها. وهذا ما نلمسه في العنوان الذي اختاره الكاتب فهد البكر لمجموعته القصصية التي صدرت بعنوان «كحل عينكِ صار خالا» الصادرة عن دار بيت الغشام للصحافة والنشر والترجمة والإعلان، مسقط - عمان، الطبعة الأولى 2016م. غير أن الدلالة لا تظهر إلا بشيء من التأويل، وهو ما يصهر عنوان هذه المجموعة القصصية ضمن القصص الغرضية الإيحائية التي استعاضت عن وضوح المعنى بالرمز والإشارة، إذ بوسع العنوان أن يفيض لنا «بعلامات» نستطيع من خلالها الخروج بكم هائل من التأويلات وهي: تأويلات قمنا باستنطاقها من خلال نصوص المجموعة، بالإضافة إلى الانطلاق مما أشار إليه القاص في مقدمته لمجموعته إذ يقول:»وجاءت تسمية هذه المجموعة بهذا العنوان (كحل عينكِ صار خالا) لأن غير نص من نصوص هذه المجموعة تناول الكحل بشيء من الرمز غير المعهود، فالمعتاد في أمر الكحل تعبيره عن الجمال، وسحر العينين، لكن نصًّا في هذه المجموعة تلاعب في ذلك الرمز المألوف (الجمال والروعة) إلى حيث الرمز الغريب (التعبير عن الأثر وترك الذكريات)»، المجموعة: ص7. وإذا طالعنا المجموعة ألفينا فيها نصوصًا قصصية تحوم حول «الكحل» كما أن هناك نصوصًا أخرى تدور حول العينين، ويكشف هذه الدلالات ما كتبه القاص بين يدي مجموعته إذ هو يلمح إلى أن العنوان جاء مستوحى من خلال تلك العلامات، يضاف ذلك أن في عتبة الغلاف الأخير ما يشي بهذه العلامات. غير أننا هنا سنقتصر على ذكر علامة واحدة نستطيع من خلالها التأويل سيميائيًا، ألا وهي علامة اللون الأسود. ..... نواصل