ومن الأمثلة على ازدراء البدو للحضر حكاية بداح العنقري الذي كان يركب فرسه ويذهب إلى منازل بدو كانوا قاطنين بالقرب من ثرمداء ليستعرض فروسيته أمام إحدى الفتيات التي أعجبه جمالها، لكن الفتاة لم تأبه به وقالت لإحدى النسوة التي كانت تحاول أن تلفت نظرها إليه خيّال القرى زين تصفيح ، أي أن خيال القرية يجيد الاستعراض لكنه لا يجيد الكر والفر, وفي صبيحة أحد الأيام أغارت خيل قبيلة الفضول على القطين واستاقوا إبلهم ولم يستطيعوا فكها حتى كر العنقري على فرسه واستنقذ الإبل, وفي هذه المناسبة قال قصيدته المشهورة ومنها: الله لَحَد ياما غزينا وجينا وياما رِكِبنا حاميات المشاويح وياما تعاطت بالهنادي يدينا وياما تِقاسمنا حلال المصاليح وراك تزهد ياريش العين فينا تقول خيّال القرى زين تصفيح ترى الظفر ما هوب للظاعنينا قَسمٍ وهو بين الوجيه المفاليح البدو واللي بالقرى نازلينا كِلٍّ عطاه الله من هَبّة الريح وينتهي الأمر بأن يتزوج بداح من عشيقته لكن حياة الحضر لم ترق لها فقالت قصيدة منها: واشيب عيني من قعودي بقريه ومن بيقرانٍ رِبطها في حلوقها هنيّ بنات البدو يرعن بقفره ريح الخزامى والنفل في غَبوقها وهذا شاعر مطير حنيف بن سعيدان يعبر في الأبيات التالية عن حسرته لتحول الدويش من حياة البداوة إلى حياة التحضر بعد ما استقر في هجرة الارطاوية: واشيخنا وان شافت النار ناره لى من كلٍّ حَطّ عطفه ومسيوق كم واحدٍ ينوي وفيصل دماره على النقا ما فيه سرقٍ ولا بوق واليوم فيصل ساعيٍ بالتجاره صكّوا عليه الحضر يمشي مع السوق مير اقمحي ياسابقه كل غاره وذودٍ يبي مع طيحة الوسم زملوق وقد عبر الجربا في الأبيات التالية عن معارضته للدولة السعودية الأولى والدعوة السلفية التي تتبناها لأن متطلباتها تتعارض مع متطلبات البداوة: ونّيت ونّة من شلِع مِنه لِه ضرس أو ونّة اللي غاديٍ له بضاعه من شوفتي للذيب يجلس على الدرس من عقب فرسه صار قلبه رعاعه الدين يصلح للذي مهنته غرس راعي قليبٍ دبّر الحب صاعه والا غلامٍ طمن الكف للمرس يعطي لطلاب الجنايا رتاعه ياهل مشاويل الرمك رايكم عمس مير اجلبوها وارخصوا بالمباعه لى صار ما طارى المغازي لها رمس وقلايعٍ ناتي بها كل ساعه ولقد بلغت حدة التوتر بين البدو والحضر ذروتها حينما تفاقمت حركة الإخوان قبل القضاء عليها في معركة السبلة, وفي القصائد والعرضات التي قالوها للإشادة بانتصار الملك عبدالعزيز في معركة السبلة استغل شعراء الحضر هزيمة الإخوان للتشفي من البدو والسخرية بهم, وقبل هؤلاء جميعا سبق أن عبر حميدان الشويعر عن نظرة الحضري إلى البدوي في قوله: البدوي ان عطيته تسلّط عليك قال ذا خايفٍ مير بالك عطاه إن ولى ظالمٍ مفسدٍ للكمام وان ظلِم زان طبعه وساق الزكاه مثل كلبٍ الى رِمِي فهرٍ يروح وان رمِي له بعظمٍ تبع من رماه حاكمٍ ياكلونه ومنهم يخاف من رخاميّته ماهنينٍ ثواه وحاكمٍ هو دواهم بفعلٍ يشاف كلما خالفوا لحق فيهم مناه كل يومٍ عليهم صباحٍ شرير غير ذبح اللحى عزل بوشٍ وشاه وهناك أبيات مشهورة لبديوي الوقداني في هذا المعنى منها قوله: البدو ياباغٍ من البدو ثابه البدو لو شافت معك شي تنهبك لى جو على العيشه سواة الذيابه عَدّت مخالبهم عن الزاد مخلبك احذر تِطَرّف ياخذونك نهابه والا تخاويهم يحتّون مزهبك كِب البدو ياجعلهم للذهابه حيث ان مذاهبهم تخالف مذاهبك رغم ما تتسم به حياة البدو عموما من قسوة وشظف وضنك، مقارنة بحياة الحضر، فإن البدوي يجد العزاء فيما تمنحه له إبله من حرية واستقلالية وقدرة على الحركة مما لا يتوفر للفلاحين المستقرين, وهذا ما قصد إليه أحد عبيد عقاب بن عجل في قصيدة قالها يلوم عمه لسماعه مشورة من زين له بيع الإبل والاستقرار وفلاحة الأرض، ويذكر الشاعر عمه بما حدث للشيخ سعدون الذي استطاع بفضل إبله أن يتحاشى هجمات الدولة العثمانية التي رفض الخضوع لها: ياعقاب عقب البل خرابيط وعلوم يابو جهز لا تعير فكرك لغيرك إمّا انت والا عافتٍ خلّوا الدوم واتبع هوى (العليا) و(لعبه) و(ظيره) ما شفت سعدونٍ سنة هجمة الروم لولا نياقه ما سعت له بخيره أرسل على الذفرات من كنّسٍ كوم وشالوا على حيلٍ سمانٍ ظِهيره أقفى كما طيرٍ كفخ يدرج الحوم من فوق نوقٍ عين خمسٍ مسيره ويقول ابن عيسان الثبيتي يمدح الإبل ويذم الغنم ويقول في البيت الأخير إن الإبل، رمز حرية البدوي واستقلاليته، هي التي تحملهم عبر المفازات والمظامي إلى جوف الصحراء حيث لا تستطيع يد أي حاكم أن تصل إليهم: يالله من حرش العراقيب يالله وابوي ما اعجل وردها والصديرِ ما هيب من صفر العيون المهبّاه اللي عليها يَزِربون الحضير دايم وراعيها تكالح ثناياه يخاف من سبعٍ عليها يغير هي النِّفَذ لى ما عطوا درب مظماه والا من الحاكم خَبَطهم نذير