لا شكّ بأن المعاناة تفتح آفاقاً للنجاح في إيصال الرسالة أو الهدف الذي ينشده المعاني، ويكمن ذلك على المستوى الشخص للفرد أو ربما للجماعة ، لكن حصيلة ذلك نجاحات متعددة ومختلفة المشارب والمناحي ، فكل والهدف الذي ينشده ، أو قد يتمتع به من موهبة تجرّه إلى النجاح ، وكذلك صنعة التي أتقنها إما عن طريق والده أو قريب له ، أو عن طريق مدرسة الحياة التي ساقتها عبر سراديبها إلى تلالها وجبالها، ومن سهولها إلى هضابها ، ومن سيولها وأنهارها إلى بحارها ومحيطاتها ، ومن تيه الصحاري إلى ظلال المدن ، ومن الضياع إلى العثور والوصول ، ومن الفقد والحرمان إلى الحصيلة والعطاء وتعويض الغير والإيثار عليه نتيجة كل ما تم تلقيه في خضم الصراع في هذه الحياة ، ولذلك قال ابو تمام : لا تحسب المجدَ تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصَبِرا قد يكون المجد متعدد الأهداف والمشارب والحصائل كما أسلفت ، وقد يخفق شخص في أشياء وينجح في شيء ، فليس النجاح في المال والمنصب وحده ، فهناك المجد قد يصل له الإنسان بعد أن أنشد طرقاً متعددة ياعين هلّي صافي الدمع هلّيه والى انتهى صافيه هاتي سريبه ، فربيّع بن سليم ومحمد العوني خفقا في التجارة ونجحا في المجد الشعري ، والمتنبي خفق في الحصول على الرفعة في المنصب ونجح في أن يكون شاعر الأمة ، وقبل هؤلاء جميعاً خفق امرئ القيس في أن يكون ملكاً ، ولكنه نجح في أن يكون أشعر شعراء الجاهلية ، أليس هو القائل؟ : ولو كنتُ ما أسعى لأدنى معيشةٍ كفاني ولم أطلب قليلٌ من المالِ ولكنما أسعى لمجدٍ مؤثلٍ وقد يدرك المجد المؤثل أمثالِ وهو ما وافقه قول رميزان بن غشّام : لعمرك ما أسعى لأدنى معيشة وروحي إلى دامت بها لا يديمها فلكن ما أسعى لمجدٍ أناله فرقيائي العليا يداوي سقيمها فمن المعاناة التي تقود إلى نجاح الشيء معاناة الشاعر التي تؤدي إلى نجاح القصيدة حيث أنها تكتب من القلب وتصل إلى القلب بل وتهزّ الإنسان نتيجة ذلك البيان ، وقد قال ابن عباس رضي الله عنه: أتى أعرابي إلى النبي فتلكم بكلام بيّن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ من الشِّعر حِكْمةً ، وإنَّ من البيان سِحْراً" ، ومن الحكمة والبيان ما يأتي عبر المعاناة من صدمة المجتمع وهو ماجاء في شعر بيطار الأشعار حميدان الشويعر رحمه الله: الأيام ما يرجى لهنّ رجوع غدت بخلانٍ لنا وربوع ربوعٍ لنا قد فرّق البين شملهم وشوف الديار الخاربات يروع امرقت أنا الدنيا بيوم وليلة واعد اسبوع من وراه اسبوع سود الليالي مادري عن بطونها يمس حوامل ويصبحن وضوع أنا أدري بعلم اليوم وامس بما جرى وباكر بغيب والأمور وقوع والأيام لو تخلف بيوم عذرتها لهن بالليالي الماضيات صنوع ألجي لربي عن دواهي شرورها علوم الردى ياتي بهن ربوع وأنا أحب يوم ما أجي فيه مذنب ولا نيب مفراح ولا بجزوع وأنا أحب جلوسي عند حي يفيدني ولا ميّتٍ ما في لقاه نفوع وأنا أحب نومي جوف غين دوالح إلى ايتفى ظيم بهن وجزوع ولا دين ديان ولا ظلم حاكم يجور ولا يعذل عليه خدوع فيا مانع اشرف لي على راس مرقب من قبل ما شمس النهار طلوع ربوع لنا يوم الليالي مريفة واليوم ما عادوا لنا بربوع ! أنا كان بأيام الرخا لي معارف غدوا مثل براق السراب لموع ألا يا نخلات الصدر جضّن بالبكا وهلنّ يا هدب الجريد دموع حلفت صافي الماء فلا تشربنه مني ولا يسقى لكن جذوع وأنا في السما وعدي ورزقي ومطلبي ماهوب في صبخا مراغة جوع تقللت عن دار وربع ومنزل وقبلتها حثو التراب كسوع فلا يا عابر القصب الجنوبي ليتني أشوفك من حد السراب لموع نخيت قرم من عيالي مجرب إلى نزر ما ذاق الطعام اسبوع فترى يا ولدي من ثمن الخوف ما وسطا والأنجاس ما خلوا سبيلك طوع تبغون جذرات المنايا تزورها الآجال ما يقدر لهن دفوع فلا يلزم القالات من لا يشيلها ولا تحمل رقاب الحريم دروع وترى المقابر نصفها من حريمها لو كان في وسط البيوت منوع لا شك بالهندي قضا كل عاجز وشراب من در الخصيم كموع ومن معاناة الصدمة التي فجّرت الإبداع قول بداح العنقري رحمه الله: الله لحد ياما غزينا وجينا وياما ركبنا حاميات المشاويح وياماعلى أكوارهن إعتلينا وياما ركبناهن عصير مراويح وياما تعاطت بالهنادي يدينا وياما تقاسمنا حلال المصاليح وراك تزهد يا أريش العين فينا تقول خيال الحضر زين تصفيح ترا الظفر ماهوب للضاعنينا قسم على كل الوجيه المفاليح البدو واللي في القرى نازلينا كلٍّ عطاه الله من هبة الريح يوم الفضول بحلتك شارعينا والشلف ينحونك سواة الزنانيح يوم انكسررمحي خذيت السنينا وادعيت عنك الخيل صم مدابيح الصدق عندك كان ماتجحدينا هيا عطينا الصدق ياهابة الريح هيا عطينا الحق هيا عطينا وإن ما عطيتيناه والله لا اصيح لا اصيح صيحة من غدى له جنينا أمه خلوج وضيعتها السواريح يا أبو نهود كنه فرهدينا عنهن جديد الثوب غادة شماشيح ياعود ريحان بعرض البطينا ومنين ما هب الهوا فاح له ريح لاخوخ لارمان لاهوب تينا لا مشمش البصره ولاهن تفافيح وخد كماقرطاسة في يمينا وعيون نجل للمشقى ذوابيح صخف ولطف بانهزاع ولينا ياغصن موز هزعه ناسم الريح ونقرأ في قول نورة الحوشان - رحمها الله- عمق المعاناة التي سارت بأبياتها القليلة ألسنة الناس من الحكمة الطاغية : ياعين هلّي صافي الدمع هلّيه والى انتهى صافيه هاتي سريبه ياعين شوفي زرع خلّك وراعيه هذي معاويده وهذي قليبه إن مرّني بالدرب مقدر أحاكيه مصيبةٍ ياويّ والله مصيبه اللي يبينا عيّت النفس تبغيه واللي نبي عجز البخت لا يجيبه ومن الصدمات التي تسوق إلى الإبداع قول والدي عبدالعزيز العرفج – عافاه الله -: يالله عالم ما يبان وما خفى يا اللي بعباده كم رحيم وكم لطيف ترحم من اللي أرجله صابت حفى متردّدٍ من الرياض إلى عفيف يواصل حبيبٍ وحبّه ما صفى حبّه مزيّف أو هوى واحد معيف فرحت له مودّي ولا فيني احتفى ما قدّم شويهي مع قطيعة رغيف قلت: الوداع ، وشفت منّه كل جفى ما الزم علي لو بسّ تلزيمٍ خفيف لا ما عسى صدتوا بنا هرجة قفى ومن عواذل مالهم قصدٍ شريف يوم امتلى كاس المودّه وانكفى وضاع كل مابه على رملٍ سفيف ويومه سطع نور السعادة وانطفى طفية سراجٍ كان في يومٍ عصيف راع المودّه يب يبيّن لا اختفى أبين من سراجٍ على قصرٍ منيف لو إن حبي ما يذوّب له صفى ما كان دمعي هل على خدّي ذريف كما نجد المعاناة بالصدمة من المجتمع ساقت إلى إبداع عبدالله السلوم – رحمه الله- قصيدة عصامية أرسلها إلى الأمير محمد الأحمد السديري – رحمها الله : الله من قلبٍ همومه كتمها وعين لها عن لذة النوم رصاد ونفس على الماضي كثير ندمها يوم الفخر يكسب على سرج وشداد فكرت في دنيا مصيب سهمها يشكي تعنتها جماعات وفراد وجودها عندي يساوي عدمها مادام حاصلها هو الشرب والزاد نفسي تروم الكايدات ووحمها لو ردّني من دونها كل رداد ولي خطه فكري بعزمه رسمها عسى الامل فيها ولو طال ينقاد امال نفسي ما وفى من فهمها إلا بحلوات الاماني والاوعاد بنيتها لكن زماني هدمها واصبحت مفلس مثل شدّاد بن عاد من صعبها ما ذقت لذّة طعمها ما ذقت فيها غير كاسات الانكاد دنيا على المخلوق تملي حكمها والله يدبرها على كيف ماراد نركض بها من شان ندرك قيمها ولا كل من رز الهدف واجتهد صاد سحا بةٍ تنفعك منها ديمها واخرى تمرك مابها غير رعاد