كنتُ قبل الآن قد كتبتُ عن البيع في باب مهم من أبوابه وهو: عامة ما ورد فيه من الحالات ما بين: مباح وممنوع وقد رأيت أن أضيف الى ما سبق شيئاً يجب الوقوف عليه لدقته وحساسيته والحاجة الداعية إليه. لقد كنت بينتُ أن البيع: أصله أخذ شيء مقابل شيء مُباح مملوك حلال مقدور على تسليمه من قادر على التصرف وهو: الجائز تصرفه وهو أن يكون: عاقلاً مميزاً. والبيع هكذا مأخوذ من صفة/ الباع على الحقيقة لأن كلاً من: البائع والمشتري يمد باعه، والباع من أطراف الأصابع حتى الكوع كوع اليد، وما فوق هذا يُسمى العضد الذي ينتهي بالكتف ثم الرقبة. وكان النَّاس قديما يبيعون بالباع ثم كان يسمونه الذراع خاصة في بيع البز وأصل البيع أنه: جائز وهو: مبادلة سلعة بمال. وينعقد البيع من العاقل المالك الجائز التصرف ومثله الوكيل المميز ينعقد بأمرين 1 الإيجاب. 2 والقبول. ولما كان يقع كثير من الخلاف بين المتبايعين بسبب من الأسباب يعود أمرها الى واحد منهما أو يعود الى كليهما ولما يُسببه هذا النزاع أحيانا من الخصومة والمرافعة والعداوة والتهم وسوء الظن والقطيعة، واضمار الحقد فإنني أبين هنا جديدا من الأمر أحسبه من ضروريات الطرح في هذا الحين بعضه نظرت فيه الآثار، وبعضه الآخر إنما هو اجتهاد حسب المستجدات وما اجتهدتُ فيه حسب فهمي من فقه النوازل، وضرورة اختلاف السلع وتبدل النيات بعد العقد. وأصل هذا كله ما أشار إليه علماء النَّص في مطولات الدليل كمالك بن أنس، وابن جُريج وحماد بن سلمة، والبخاري ومسلم، وسواهم من أصحاب السنن والمسانيد (1) . ثم ما طول عليه أصحاب فقه الخلاف في أسفارهم الكبيرة كالنووي في المجموع، والسرخسي في: المبسوط، وابن قدامة في المغني، وابن حزم في : المحلى، وابن حجر في فتح الباري وابن تيمية في الفتاوى، وابن عابدين في: الحاشية، والمبارك فوري في تحفة الأحوذي. وهذا النوع مما يقع بين المتبايعين يسمى علمياً الخيار، أو باب الخيار، وقال صاحب الروض (2) :باب الخيار وقبض المبيع والإقالة . وهناك يقول: الخيار اسم مصدر: اختار أي طلب خير الأمرين من: الامضاء والفسخ (3) . قلت أما إنه اسم مصدر فكذلك وأما قوله أي طلب خير الأمرين من الإمضاء والفسخ ففيه نظر، لأنَّه قد لا يكون خير الأمرين، لأمور أفيدها خلفا. وأبين هنا بعض ما يجوز فيه رغبة أحد المتبايعين الاقالة فسخ البيع لعدم رغبته في: الإمضاء مثلا أو لقلة ذات يده أو لشكه بقدرته على الاستمرار أو لشكه في سلوك صاحبه: ونحو ذلك. الأول: فسخ البيع توكيلا فيجوز لصاحب السلعة أياً كانت: زراعية أو صناعية,, إلخ,, كما يجوز لمريد الشراء فسخ البيع عن طريق الوكالة لشخص مُعتبر شرعاً ولابد ان تنص الوكالة على جواز مطلق التصرف أو تنص على ما يراه مصلحة لصاحبه حسب تدوين هذه العبارة. والفسخ,, هنا,, لابد أن يكون في حال مقتضية قبل تفرق البائع والمشتري وذلك لأن كلاً منهما في هذا الوقت وكأنه لم يقرر بعد قطع البيع أو الشراء فلهما مخرج من هذا: البيع. ولا يجوز في هذه الحال حتى بعد قبض الثمن عدم الفسخ بل الفسخ حاصل لمن أراده ما داما لم يتفرقا من مجلس البيع بعد ومن يتجاسر، فيرفض الفسخ في هذه الحال فبيعه باطل ومثله الشراء، ولا يحق لصاحب شركة أو مؤسسة عدم قبول الفسخ بحجة كتابة العقد، فكتابة العقد ليست بيعاً ولا شراءً في هذه الحالة، إنما هو اتفاق مبدئي على البيع أو الشراء قبل تفرق الجميع. وهذه النقطة بالذات يجب فهمها كثيرا حتى من قبل الأفراد كمكاتب العقار والخضار والأدوات ونحوهم. وقد جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار مالم يتفرقا وكانا جميعا أو يخير أحدهما الآخر فإن خير فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع . وهذا أمر معلوم بالضرورة من حال أصول المعاملات التجارية. ولا يجوز الاجبار على الامضاء بتهديد أو قوة أو تخويف لأن البائع أو المشتري قد يحصل من أحدهما ذلك، فإنه حصل وتم الامضاء على هذا ففيه ظلم بالغ وإضرار وضرر والبيع فاسد. الثاني: وفي معنى هذا في معناه: البيع والشراء عن طريق الهاتف ما بين بائع ومشتر يعرف كل واحد منهما صاحبه معرفة تامة وبينهما معاملات قديمة, فالبيع هنا ينعقد على السلعة المباحة الجائزة المعروفة معرفة كاملة وهي في حوزة البائع فيجوز هنا مثل ما جاز في الأول بضابط ما تقدم. الثالث: لكل من البائع والمشتري أن يشترط الفسخ حسب ما يلي: 1 أن يُدون هذا في العقد. 2 أن يكون على سلعة معلومة. 3 ألا يتصرف فيها عند نية الفسخ. 4 يبطل الفسخ حسب نص عقد البيع. 5 ينفسخ ويبطل البيع اذا حصل غش في صلب: السلعة أو يتم الأرش مع القبول. 6 جواز التعويض مع القبول. ولا يصلح في مسألة: اشتراط الفسخ في عقد البيع إلا بالنص عليه واضحا بحد محدود. الرابع: هناك من الناس ولا ضير في هذا من يجهل أمور وموارد وصفات وشركات السلع كما يجهل القيمة ومدة الصلاحية، والشروط اللازمة لكل سلعة فيقع بسبب هذا في ضرر قد لا يقصده البائع لظنه معرفة المشتري بما يريد فيبيع عليه طلبه، ومن هنا تنشأ أمور لابد منها: منها عدم جواز المبهم. ومنها عدم جواز المقلد التالف. ومنها عدم جواز المغشوش. ومنها عدم جواز الملفق. ومنها عدم المزور. فهذا كله لا يجوز بيعه على أنه جيد أو ممتاز. بل لابد من تجنب بيعه ورده الى مصدره قبل بيعه، وللمشتري رد السلعة وأخذ ماله الذي دفعه ثمنا لها. ومثل هذا ولعله كثير هو جهل: المشتري بقيمة السلعة فيضاعف البائع عليه القيمة، وهذا هو: الغبن فإذا زاد البائع سعر السلعة على المشتري زيادة ضارة ليست إلا من الاضرار بمال المشتري لجهله بالسعر فهذا البيع لا يجوز وللمشتري نظر هذا ما دام قد غُبن. والمغبون إذا غُبن غبناً يخالف عُرف القيمة فإن على البائع لازم قبول رد: المبيع والمغبون يخير هنا بين رد السلعة وقبولها, لكن على التاجر تقوى الله جلَّ وعلا ومواساة المشتري في حال الغبن وقبول الشراء. وقد رأيت بعض التجار وسواهم يتصدقون ويبذلون المال على أن هذا لعله يمحو الذنوب مما يكون قد وقع أثناء البيع وهذا عمل طيب لكنه ليس بذاك لأنه لا يكفر الذنوب إلا رد الحقوق الى أصحابها من مال أو عرض، وهذا أمر لابد من التنبه له والاشارة اليه لما قد يحصل من الجهل به. الخامس: كنتُ قد بينتُهُ آنفاً وأكرره هنا لكثرة حصوله بعلم وبجهل ولأنه يعم البيع والشراء وسواهما، وذلك هو العيب في السلعة، كالاطارات والمعلبات والآلات الزراعية والصناعية والعمائر والفلل والسيارات إلخ. فإن العيب في السلعة موجب لبطلان البيع لحرمته ولأنه ضرر بالمشتري وغش، وصور العيب بالسلعة كثيرة جدا فيقع العيب فيها بصور مختلفة كذلك، فلابد من يقظة المشتري لمثل هذا، ولأن البائع قد لا يعلم، أو لأن عاملاً أو عمالاً يفعلون ذلك دون علم المالك للتجارة ومع هذا فإن كل راع مسؤول عن رعيته وإنما الغش والعيب في: السلعة ظلم كبير لما يترتب عليه من أكل المال الحرام. السادس: يجوز هنا فسخ البيع على التخيير إذا اختلف المتبايعان في نوع السلعة من نوع واحد أواختلفا في قيمة السلعة فلا بأس هنا من فسخ البيع، ولا ضير من التراضي بينهما من غير غش، أو تزوير، أو احتكار، أو كذب، أو فرض البيع، أو عدم رد العربون. فيرد العربون حالا قبل التفرق من مجلس العقد. وعند الرضا فإن التاجر عليه طرح الرأي على المشتري بسؤال أهل الصنف عن ثمن وصفة السلعة لكن دون دفع القيمة، وللمشتري ما يراه بعد ذلك. ولست أرى جواز: بيع مالا يملكه التاجر حتى وان كان يستطيع احضار السلعة لكن عليه حوزة ما يريد بيعه ثم يبيعه بعد ذلك، وقد صح النص (4) في عدم جواز بيع مالا يملكه البائع. ولعل بعض التجار يمتنع عن رد الثمن الى المشتري بعد قبضه في المجلس بحجة نفاذ البيع، وهذا أمر لا يصح فعله فإن قبض الثمن مع عدم قبول المشتري للسلعة، في ذات المجلس يوجب رد الثمن لأنه في هذه الحال مخير، وما يتعلق بوكلاء الآلات والأدوات والسيارات والساعات والقماش والحديد والخشب والمبيدات والأدوية فإنني أرى ما يلي: أولا: أن يتأكدوا من صحة المطابقة. ثانيا: أن يوفروا قطع الغيار. ثالثا: أن يكتب بلغة عربية ما يلي: 1 المصدر. 2 النوع. 3 طبيعة العمل. 4 طبيعة ما يصلح لها فقط. 5 مدة صلاحية الاطارات,, الزيت,, السيفون. 6 حد السرعة. ومثل هذا في الأدوية ما يلي: 1 اللغة العربية. 2 الجرعة. 3 الغرام. 4 الكيفية. 5 المضاعفات. 6 المحاذير. 7 العبوة. 8 الاشتباه بدواء آخر مشابه. 9 طبيعة المفعولية. 10 المدة+ الوقت+ الأثر. 11 كيفية قطع العلاج. وهذا لا يكون إلا تحت اشراف طبيب متخصص. وهنا نقطة سمعت بها، وهي تمس الوكلاء نقطة ذات أهمية بالغة وهي التقليد مع سرقة أو اقتباس الشعار واللون فهذه يجب المبادرة الى محاربتها والتحذير منها خاصة: الأدوية/ والآلات لما يترتب على هذا من: ضرر وغش ويجب في حال حصول مثل هذا ووقوع المشتري أن تعاد السلعة ويجازى المزور. *** (المراجع والبيان ) (1) الترمذي، النسائي، أبوداود، ابن ماجة، الدارمي، أحمد بن حنبل، وابن خزيمة، والطبراني، ومسدد بن مسرهد، وعبدالرزاق وابن أبي شيبة. (2) الروض المربع/ص218 كتاب مختصر جيد مفيد في بابه/ مع ملاحظة أنه قد يستدل في مواطن ببعض الأدلة الضعيفة . (3) نفس المصدر والصفحة. (4) لا تبع ما ليس عندك وهو جزء من حديث:صحيح.