قال أبوعبدالرحمن: من بركات تباريحي بهذه الجريدة (الآن اكتشفت نفسي) أنْ نشطتُ لتحقيق قابلٍ للإضافة عن مذهب السريالية، وأنها تلفيق فلسفي، وليست نماذج إبداعات فنية أو أدبية تتميَّز بها السريالية الفلسفية، وأن مفهومها اللغوي قابلٌ إبداعاً أدبياً فيما سيكون لا فيما هو كائن.. قال أستاذي الأستاذ الدكتور إحسان عباس رحمه الله تعالى: (ومجمل القول: أن السريالية كانت مذهباً في الحياة أكثر منها طريقة شعرية) (1). قال أبو عبدالرحمن: الدكتور إحسان إمام من أئمة المسلمين، شديد الإنكار للذات.. أتقن تحقيق التراث بلا مللٍ، وألَّف باستقصاء، وكان واسع الدائرة ثاقب النظرة في الآداب الخواجية، ولقد صدق؛ فما أعرف أدباً خواجياً سريالياً يرتبط بمعنى الكلمة الاصطلاحية ألبتة: لا شعراً، ولا نثراً.. وإنما هناك فلسفة تلفيقية أُقحمت في مفهوم سريالي، ونشأ عنها أدب لا يحمل مفهوم السريالية وإنما هو مبدَّد في مذاهب الأدب ونزعات الأدباء وأمزجتهم؛ ولتعلموا صدق ما أقول أذكر لكم العناصر التالية: 1 - هناك أفكار ومشاعر وعبارات مجرَّدة سريالية تُعانِد كل برهانيٍّ وكياني، وتلك هي العبثية (2). 2 - مصادر هذا العبث: التمظهرُ المعرفيُّ، والجنونُ، والأحلامُ.. وأضافوا (اللاوعيَ) وهو مرادف لقولهم: (اللاشعور)، وقد أسلفت معنى ما هو غير شعور. 3 - استغلال طرق الدلالة التي هي من حسنات الأدب الحداثي كالرمز والتوسع بالكناية على طريقة التصويريين. 4 - تحريك الخيال، لِيُثْرِيَ بتأليفاته دلالةً لغوية، واختراع عوالم خيالية يحتملها الذهن؛ لإشباع رغبات مَلكة الإبداع. 5 - اتخاذ الحرية السلوكية غير الفكرية (3) مطلباً؛ وذلك نتيجة حتمية للعبثية. 6 - المكابرة بأن ركام الفلسفة السريالية انفجار للوعي الإنساني.. والواقع أنه ليس هناك زيادة وعي، وإنما هو تأليف خيالي مما هو وعي. 7 - بدأت السريالية المتفلسفة بانتماء بعض الشعراء مثل رامبو، ولكن فلسفتهم بخلاف آدابهم من صور حُلْمَي المنام واليقظة، وتخطِّي حجز الواقع.. ولا معنى لهذا التخطي إلا بإضافة عالم خيالي مُتصَوَّر، وهذا ليس في أدبهم. 8 - كان لها باعث معقول في البداية، وهو الحروب العالمية المُبيرة، والخوف على العالم من الفناء.. ولا سيما مَن دُمِّروا كالألمان؛ فَتكوَّن من ذلك تبنِّي - لا إيجاد - العدمية عند الوجوديين؛ فالحياة سُخْف، والفن والأدب دَجَل، ولا بقاء إلا للسخف؛ فكانت (دادا)(4) وهذه العدمية دافعة ومحرِّضة للعبث؛ فمثل هذا يُقبل إذا سُلِّطت العدمية وما في سياقها على معهود الحروب العالمية. 9 - تطوَّرت الدادية بمفهوم كلمة منحوتة على طريقة الألسنة في النحت، فالسريالية من (سورياليزم) التي كانت عنواناً لمسرحية الشاعر (ابو لينير)، وهو الذي نحتها لتدل على معنى (الواقع الذي وراء الواقع)، وأترك بيان ذلك لمن هو أعرف مني بلغة الخواجات؛ فقد طلبتُ من أستاذي الدكتور محمد خير البقاعي بيان معنى الاشتقاق؛ فقال حفظه الله: (السريالية تعريب للكلمة الفرنسية SURREALISM (السورياليزم).. كلمة فرنسية ولدت حوالي عام 1920م، وهي اسم مذكر منحوت من كلمتين sur = ما وراء، وrèalism = الواقعية (ما وراء الواقعية).. ولقد عُومِلت بالعربية معاملة المصادر الصناعية التي تُرجمت أو عُرِّبت بها الكلمات الأجنبية الدالة على المذهب، وهي التي تنتهي باللاحقة (ism) socialism = اشتراكية (سوسياليزم)، وcapitalism = رأسمالية... إلخ.. وقد عرَّفها معجم لاروس الفرنسي بأنها مجموعة من إجراءات الإبداع والتعبير باستخدام كل القوى النفسية (الآلانية، الحلم، اللاوعي)، وهي إجراءات تحَرَّرت من رقابة العقل وتناضِل ضد القيم الموروثة، وهي حركة ثقافية ثورية تؤكد تفوُّقَ إجراءاتها.. وقد جاءت في إثر الحركة الدادائية (الدادية)، وقد اشتهرت بيانات السريالية التي أصدرها اندريه بروتون Andrè Breton رأس السريالية.. واشتق من سورياليزم في عام 1924م كلمة (سرياليتي Surrèalitè، وجاء في معجم لاروس الفرنسي أنها تعني في الأدب ما يتجاوز الواقع المعتاد.. قال أندريه بروتون: (أُؤمن بالحل المستقبلي لهاتين الحالتين، وهما الحلم والواقع بأن تتحدا معاً بنوع من الواقعية المطلقة التي يمكن أن نسميها سرياليني إذا صح التعبير.. واشتُقَّ منها أيضا اسم وصفة Surrèaliste (معتنق السريالية) وصفة ما هو سريالي.. ومن روادها تريستان تزارا Tristan Tzara (1896 - 1963) شاعر فرنسي من أصل روماني، وهو رائد المدرسة الدادية (الدادائية)، وأحد مؤسسي المذهب السريالي.. وفيتراك Vitrac: مسرحي شاعر دادي ثم سريالي يتسم مسرحه بالغرابة التي هي من صفات هذين المذهبين.. وجعل الناقد الفرنسي هنري بيهار Henry Bèhar في كتابه (المسرح الدادي والسريالي) الصادر عام 1964م الكاتبَ الفرنسيَّ ألفريد جاري Alfred Jarry (1893 - 1907) مؤلفَ مسرحية (أوبو ملكا) مصدرَ المسرح الدادي والسريالي، وقد وجد السرياليون في مسرحية (أوبو ملكا) التعبيرَ عن اللاشعور أو كما يقول أندريه بروتون: (التجسيد الرائع للأنا في مفهوم كل من نيتشة وفرويد، وهو مجموع القوة المجهولة: اللاشعورية المكبوتة).. وقال بروتون ذلك في كتابه: (مختارات من السخرية السوداء) الصادر عام 1940م في باريس، وأما كتاب بيان السريالية لأندريه بروتون فصدر عام 1963م في باريس. قال أبو عبدالرحمن: بات من اليقين أن (ما وراء الواقعية) هو المعنى اللغوي المنحوت الذي كان عَلَماً على مذهب السريالية.. ثم توسَّع المدلول بمعانٍ لا علاقة لها بمعنى الكلام من إرادات سلوكية حُرَّة جعلها السرياليون أحكاماً لمذهبهم، وأعلنوها في بياناتهم.. وتوسَّع المعنى بطرق الوسائل التي يحصل بها ارتيادُ ما وراء الواقعية؛ فجعلوا تلك الوسائل معاني سريالية بدأت باستخدام كل القوى النفسية لارتياد ما وراء الواقعية، ثم استجَّد لنا في القوى النفسية مصطلحاتٌ هي (الآلانية) و(اللاوعي) و(الحُلْم)، والجامع بينها أنه لا رقابة للعقل عليها.. ثم حكموا لهذه القوى - لما كانت غير خاضعة لرقابة العقل - بأنها حركة ثورية ضد ثوابت الفطرة.. ثم صار لكل سريالي يُصدر بياناً أن يكون متصرِّفاً في اللغة؛ فيسقط معاني من معانيها أو يضيف إليها حسب أهواء السلوك السريالي، وعنها نشأت ثنائية السريالي اللازمني، والسريالي الزمني المتقلِّب حسب الظروف. قال أبو عبدالرحمن: أنا أوَّلاً عاشقُ نموذجٍ أدبيٍّ إبداعيٍّ، وعاشقُ نموذجٍ فنيٍّ إبداعيٍّ؛ فدلوني على النموذجين من خِصِّيصة سريالية صادرة عن القوى النفسية، أو عاونوني على التأصيل لها.. وأنا عاشقُ علمٍ وفلسفةٍ أريد أوَّلاً التصوُّرَ، وهو الفهم لِمَا عبَّر عنه السريالي بما وراء الواقعية، وبمعنى اللاوعي واللاشعور، وبمعنى الآلانية.. وأريد التصور لوجود إبداع لا يُصحِّحه العقل، ثم أريد بعد تصوُّرِ مرادهم التصديق أو اللاتصديق بأن هذه المصطلحات تعني شيئاً في دلالة اللغة وفي الوجود، أو لا تعني.. هذا هو معيار التأكد من وجود إبداع سريالي في الأدب والفن الجمالي، ومن وجود فلسفة سريالية لها منطق يُرجَعُ إليه، ولها لغة ذات ضوابط، وسأنتهي من مقالاتي في الجزيرة إلى وضع المعالم فقط، وأما المحاكمة المستوعِبة فتحتاج إلى مساحة سفر ضخم في حجم العقل المحض لكانط، أو الوجود والعدم لسارتر. والآلانية في سياق اللاشعور واللاوعي عندهم؛ فما صفة هذا اللاشعور؟.. قالوا: 1 - استخدامي مصطلح اللاشعور صفةً يعني استخدامي بنيةَ اللسان الذي هو طبيعة في البشر، وأنا لا أعي الكيفية التي صدر عنها كل آليات اللسان في الدلالة. 2 - استخدامي المصطلح اسماً إنما يعني ما لم نشعر بكيفية حصوله من ماضينا ومستقبلنا وحاضرنا الذي لم نهتم بالإصغاء إليه؛ ومن ثم فإن حياتنا النفسية لا ترتد إلى شعور مثل بعض تصرفاتنا عن غير وعي؛ فيدخل في ذلك زلَّات اللسان والقلم، والنسيان التي يسمونها فسائل اللاشعور، أو الأفعال الخائبة!.. قد لا نعي باعث ضجة الأمواج، وإن وعينا أن الأمواج إنما هي تصادم قطرات صغيرة من الماء: فهي إدراكات صغيرة لا تُحقِّق لنا وظيفة الفهم البشري لمصادَفاتٍ كثيرة لم يبد لنا منها مثل الإدراكات الصغيرة عن تفسير ضجة الموج. 3 - التفسير الميتافيزيقي بمعناه الرديىء (أي الغيبي الخُرافي)؛ فبعض الأشخاص بحالة لا شعورية لا يتحمَّل رائحة الورد، ولكن التحليل النفسي لهذه الحالة ينفي ما مضى من حسبانية؛ فيدَّعي العلم بأن مثل هذه الوردة صدمتْ إنساناً ما في بعض المرات ولم يعرف سرها؛ فَرَكِبَ فرويدُ اليهوديُّ هذه الفلسفةَ التاريخيةَ الخيالية، وقال: (الحياة النفسية ملأى بالأفكار الفاعلة مع أنها لا شعورية).. يعني كفاعلية وردة صدمت إنساناً ما فلم يعد يتحمل شَمَّ الورد..ثم رَكِبَ هذه الفلسفةَ مرة أخرى لإصابة البشر بالخبال؛ فقال: إن هذه الأفكار الفاعلة تُوَلِّد الأعراض المرضيَّة. 4 - توسَّع اللاشعورُ بحيلٍ علميةٍ من فِعْل الإنس أو الجن كالتنويم المغناطيسي، -وأكثره تحضير أرواح أرضية حية من الجن؛ فالديوان المطبوع بعنوان: (عروس فرعون) (5) على أنه من شعر أحمد شوقي الذي لم يطبع ولم يعرف، تَمَّ الحصولُ عليه على أنه نتيجة التنويم المغناطيسي الذي أحضر روح أحمد شوقي فأخبر بهذا الديوان، وهو نظم هلامي لا يليق بطالب السنة الثانية الابتدائية أملته نفس من الجن حية مخلوقة لا نراها؛ لأنهم يروننا من حيث لا نراهم، وأما أرواح الأموات فهي في قبضة الله سبحانه لا يستطيع أحد التصرُّف فيها.. المهم أن عمل الإيحاء في النوم المغناطيسي - وله دخل بالعمليات العلمية أو السحرية لغسيل المخ - (6): أظهر أن الشخص يتلقى أمراً تحت التنويم المغناطيسي سينفِّذه إذا استيقظ وليس لديه ذكرى بالأمر عند التنويم؛ فعمله لا شعوري؟!.. ولهذا أيضا فإن ضرباً من الجنون يسمونه الهستيريا ليس سوى انفعالات مكبوتة. 5 - على هذه الركيزة (وهي ما مضى برقم 4) ينجح شيطان البشرية الأكبر فرويد اليهودي في الوسوسة للناس بطبيعة بشرية عن انفعالات مكبوتة تقاوِم السننَ الفطرية (أي المعقول)؛ فجاء مؤنثو السريالية وقالوا: (فتح الله عليك يا فرويد.. هذه النزعات المكبوتة هي ما وراء الواقعية، ونحن نريدها لاستثمار حياة غنية)!!!.. ومن ذلك الكبت الجنسي الذي تدور عليه بالوعات فرويد؛ فكانت جمهرة تحليله تُكتب فوق السرير؛ ومن ههنا وجدت فضاءات عمياء للجنس القذر عند الهيبي من الفلسفة الوجودية، واللامعقول عند الوجودي والسريالي وغيرهم.. وأما كرامةُ بُغْضِ الفحشاء والتأثُّم من الخزي فهي عند فرويد والحُواة تعويض عن النوازع المكبوتة باختيار سلوكي حرٌّ غير مبرهن عليه إلا بأنها رقابة مجتمع خانقة يخونها ما مضى من الأعمال الخائبة كالنسيان.. ولما مهَّد فرويد لدعاوى الكذب بخداع تحليل نفسي يسمونه علماً تجريبياً قنَّن لهم وسائل الخبال، ومعاندة العقل والواقع والأديان بهذه المقولات: (المنظومة الشعورية لا تبالي بالزمن، وتجهل الواقع والمنطق وتتعايش مع المتناقضات، ولا يحكمها سوى مبدإ اللذة).. ثم جاء أيضا هذا الفتح العلمي لفرويد الذي تولَّد عنه (الآلانية)؛ فقبل الشعور، وقبل اللاشعور: آل (هو) الذي هو مستودع الطاقة النفسية، ثم آل (أنا)، ثم آل (أنا) العُلْيا؛ فاللاشعور هو آل (هو)، وجزء من آل (أنا)، وجزء من آل (أنا العليا).. ثم نقول: كيف ذلك يا فرويد؟.. فيقول: يحصل من الأم عدوان لا شعوري على طفلها، ثم تنشأ عاطفة لا شعورية بالإثم، ثم سلوكُ تكفيرٍ لا شعوري!.. ومع بُغضي لسارتر فأشهد أنه وافق الحق مصادفةً عندما قال في كتابه: (الوجود والعدم): (كل ما يحدث فينا شعوري، ولكن ليس من الضروري أن يكون كل ذلك معروفاً لدينا). 6 - في آل (أنا) الفردي لا شعور جمعي هو موروث راسب في الفردي.. هو من الفعل الإنساني التاريخي المشترك. 7 - اللاشعور الخاص آل (أنا) الفردي ليس نمطاً ثقافياً موروثاً، ولكنه صدمات نفسية من كَرْبِ الرغبات المكبوتة!!. 8 - اللاشعور الأَنْتَ من ثقافة جماعة واحدة يتنازع أفرادها نزاعات لا شعورية، ولا تخلو من كبت آل (أنا) الفردي. 9 - لكأن تخيُّلات المجانين آثارٌ من الفكر الابتدائي للعرق البشري.. وهكذا الأحلام، ومخاوف الأطفال الليلية؛ فالأفكار العرقية الابتدائية والغرائز والأساطير كلها تُلْقي نوراً على اللاشعور الجماعي!!(7). قال أبو عبدالرحمن: لا أريد أن أُنَفِّر قراء الجزيرة بمواصلة المداخلة الفكرية التي تستعصي على التبسيط بعد سرد هذا العفن الغامض غير البرهاني، وتأتي إن شاء الله المداخلة مبدِّدة بذكاء يدفع الملل.. وهذه المعارف المتظاهرة بعلمٍ تجريبي اسمه (التحليل النفسي) هي مصدرٌ في الفلسفات المعاصرة، والمدارس الأدبية الحديثة الأعم من السريالية، بل وفي الدراسات اللغوية والسيمائية الحديثة، وحسبي في هذه العجالة أن أطلب من أحبائي الأذكياء أن يُبَصِّروا النُّخَب الناشئة المنفتحة على الطرح الحداثي علوماً وفكراً وأدباً وفناً بأن لا يكونوا حُواةً، بل لابد من العقل البرهاني المحاكِم بعد الاستقراء العلمي، ولابد من تبصُّرٍ في متغيرات العالم الحديث؛ فنحن نجد الإيحاء الأدبي في قُصيصة تافهة كبنات آوى وعرب، ومستوطنةِ العِقاب وكلاهما لكافكا.. ونجد اللاهوت الطبيعي متبلوراً في مؤلفات جورج بوش الجد وكان أَحَدِياً ظاهرياً، وهو من السبتيِّين حقيقة.. ونجد مذكرات السياسيين كالإسلام والشرق الأوسط لأحد زعماء أمريكا ترجم منذ عقدين من الزمن.. كلها جاءت على أنها نبوءات، وما هي إلا أنباء عن نتائجَ كيدٍ مخطَّطٍ له.. كل هذا نجده موادَّ قانونية مباشرة الدلالة في مثل (البروتوكولات)، ونجده واقعاً عملياً، وإبادة بشرية على ظهر هذه المعمورة، وكله جاء طبقاً لمدلول تلك الأدبيات؛ فماذا يضيرنا إذا قرأنا بعقل برهاني مع إضمار سوء القصد وسوء النية، وأننا نقرأ عملاً كواليسيَّ ظلامياً.. أليس من الأنوثة أن نشرب السمَّ بالعسل؛ لحسن نيتنا ونحن نرى المذابح، ونَهْبَ التركاتِ، وتأميمَ القُدرات العالمية، وتغييبَ الحسبةِ والتربية، واستبدالَهما بالدعايات العلنية للإلحاد والإباحية؟!!.. ثم إذا كان العرب من أذكياء العالم، ومحجور عليهم بالقوةِ العلومُ المحقِّقة للقوة إلا أن يكونوا عقولاً مهاجِرة مستأجَرةً في بلاد العدو: فهل يعني هذا أن ندوس ذكاءنا وعقلنا البرهانيَّ في أمور نظرية نحن أحدُّ ذهنيةً وأصفى فطرةً في محاكمتها؛ فعلى الله العوض إن كنا مجرد حُواة في علومٍ نظرية نحن أساتذتُها في الغرب منذ الرُّشدية اللاتينية!!.. فهلمَّ إلى العنصر العاشر لندفع الملل بعض الشيء. 10 - الواقع الذي وراء الواقع هو تصوُّر العدمية الذي أسْلفته، ولكنْ لهذه الجملة مدلول كريم ينتج أدباً سرياليَّاً صحيحاً؛ وذلك هو: ما ينبغي أن يكون، وما نودُّ وما نتمنى وإن كان مستحيلاً أن نكون؛ فتحوِّل خصوبةُ الخيالِ مَلَكَةً، وخصوبةُ العقل (الذي هو مصدر الخيال) صُورَ المحسوسات والمشاعر التي هي حِسٌّ باطني إلى وقائع، ثم تُؤَلِّف خصوبةُ الخيال أيضا عالماً هو منتهى ما يقدر عليه البشر من الكمال والجمال في مثاليته. 11 - من اللغو الذي يبرأ منه المعنى الذي نُحِتتْ منه السريالية سُخْف (ابو لينير) و(سوبو)، وهو أن يكتب تلقائياً بلا تفكير ولا هدف؛ فما تمَّت كتابتُه فهو الواقع المحجوب.. ويلزم على هذا أن نَتَّخِمَ بكلام غير مفهوم ونعيشه واقعاً.. إن الصهيونية العالمية وراء تحويل قطيع من البشر إلى هذه الهيبية؛ فَمَنْ كابر في القدرة الصهيونية فليفسر تفسيراً مقبولاً - بغضِّ النظر عن المكابرة في أثر مجمعاتهم السرية الباطشة - : كيف انتقلت مذاهب النصرانية القديمة إلى مذاهب جديدة تتبنى همَّ (الغيتو) اليهودي، وكيف مات الضمير العالمي أمام أبشع وحشيات تُمارس على فلسطين أرضاً وشعباً، وكيف ساد القانون الوضعي الذي أُحِلَّ محلَّ الأديان بعد أعظم مجازر أنهت المتدينين؟!.. ثم أفيدونا بارك الله فيكم عَمَّنْ بيده اليوم المال والمحاماة والإعلام وتسويق الإباحية والإلحاد، وإلغاء الحسبة والتربية الوعظية.. إلخ.. إلخ.. ومن الذي حوَّل العالم الأقوى (والقوة لله سبحانه وحده) من أحديين إلى سبتيِّين؟؟.. إن القدرات الصهيونية التي ينكرها المغبونون: ركوبُ موجةٍ من قِبَلِ الصهيونية تارة، واختراعُ مواقفَ تارة، وإحداثُ موجاتٍ تارة.. وهم يزعمون أن الكتابة التلقائية بلا تفكير ولا هدف هي لغة النفس في الأعماق؛ فياغوثاه كيف نكسب واقعاً، أو عُمْقاً للنفس من كلام غير مفهوم؟!.. وأما المفهوم فهو مُكذِّبٌ دعواهم التلقائية في الكتابة؟!.. قال الأستاذ جبرا إبراهيم جبرا عن أول بيان للسرياليين: (والغريب في هذا البيان منطقُه القرير المدروس، فهو يستعمل ضرباً من العقلانية(8) لتبرير(9) فنٍّ شيمتُه الأولى انفلاتٌ من العقل)(10). قال أبو عبدالرحمن: وهكذا السوفسطائيون منذ نشأتهم إلى الآن يتكلمون بلغة مفهومة وهم يدَّعون أنه لا يُعقل ولا يفهم شيىء من الأشياء. قال أبو عبدالرحمن: أنا أجهل الناس بالفنون التشكيلية ورموزها؛ فأترك الحديث للأستاذ جبرا؛ لتروا كيف يتحول البشر إلى مسخ بسبب فلسفات العبث.. قال جبرا إبراهيم جبرا: (ومن الظواهر التي امتازت بها صور السرياليين المنظور(11)؛ فقد كان للكثير منهم هوس بالمنظور؛ للإيحاء بالأبعاد والفسحات اللامتناهية.. يقف في رحابها أشخاص متباعدون تقطعت العلاقات فيما بينهم كأنما الإنسان يضرب في متاهة.. وحشتها هي وحشة الإنسان في الحياة، وكان أول من بدأ هذا الاتجاه الرسام الإيطالي (جورجو دي كيريكو)، وقد سبقت رسومه الحركة السريالية بسنين عديدة(12).. شوارع المدن فيها قَفْراء تتلاحق فيها أقواس الأرصفة مهجورة حول تمثال امرأة نائمة، أو فتاة تركض وراء طوق وسط الظلال المديدة الموحشة.. كانت صُوَرُهُ الأولى أشبه بقصائد تقطر أسى وكآبة تبناها السرياليون، وجعلوا من صاحبها عملاقاً من عمالقتهم، وقد اقتفى أثره (سلفدور دالي)، و(ايف تانغي)، و(جاك دلفو)، وكثيرون (13) غيرهم كل على طريقته.. أما جاك دلفو فإن أبعاده المتنائية تحوي عاريات لم يرسم أحد نسوة في جمالهن، وصمتهن، وحِسيَّتهن الجنسية الغريبة.. بينما يرفض ايف تانغي أن يُدْخِل إنساناً في صوره.. أشكاله أشبه بالحجارة الملساء الغريبة التأليف ترمي ظلالها على فراغ من الاتساع المترامي.. أما سلفدور دالي الإسباني فلعله أشهر السرياليين قاطبة، وأغربهم طبعاً، وأعشقهم للتشهير بنفسه كعبقري(14) الشذوذ والعصاب.. كان السرياليون بوجهٍ عامٍّ عشاق شهرة يعتمدون من أجلها الفضائح والوقفات الجنونية.. غير أن دالي فاقهم جميعاً في إتيان كل عجيب ومستهجن من القول والفعل؛ لكي يبقى حديث الجرائد والمجتمع)(15).. على أن الأستاذ جبرا في موضع آخر تسَلَّل بمنطقٍ خَنَّاسي لتسويغ الرسوم السريالية باستهجان الجمال المجَّاني أو المحض الذي هو للمتعة المجرَّدة؛ فهذا حق.. وبأن الجمال الأرقى ذو علاقات تلتحم فيها التجربة الذهنية ومناحي الحياة، وهذا الالتحام، يجعل الجمال معبِّراً عن الآراء والمشاعر والحالات الفكرية(16)؛ فهذا حق أيضا، ولكن يبقى حقٌّ أهم أسقطه جبرا، وهو أن ماهية الجمال الأرقى لا تتحقق إلا بعنصر الجلال والكمال حسب القدرة البشرية من قيمتي الحق والخير.. واحتج بمغالطة (كونغورد) إذ قال: (ليس الفن معرفة؛ إذْ لا يمكننا أن نمدحه لما فيه من صدق، ولا هو يهدف على إيصال الفكر.. وهو ليس برأي معيَّن محدد، ولا يمكننا أن نمدحه لما فيه من فائدة.. إن اسمه الصحيح هو الخيال، وما يهدف إليه هو الخيالات والصور، وهي ليست إلا رُؤى أدركها الفنان، بل خلقها بفعالية تشبه فعالية خلق الأحلام. وهذه الفعالية الخيالية لا تقرر شيئاً ولا تنص على أمر؛ ولذلك فإن الفنان لا تنقصه المعرفة فحسب، بل ينقصه حتى الرأي.. وأعماله لا تحتوي على حقائق؛ إنما هي تحتوي على فتنة وزخرف.. إذا ما جردتهما عن صوره لم يُخَلِّفا شيئاً وراءهما، وهذه الفتنة أو هذا الزخرف هو ما ندعوه بالجمال)(17). قال أبو عبدالرحمن: قبل كشف مغالطات هذا الكلام أشير بدءاً إلى أنه دعوة خاملة إلى محضيَّة الفن أو الجمال المجاني.. والفن ليس هو الخيال، ولكنَّ الخيالَ مصدرُ فنِّ جميل، أو قبيح، أو بارد.. والفن معرفة؛ لأن الخيال أمشاج من عناصر الفكر والمشاعر وعلاقاتهما وفروقهما.. والناقد يرصد مواصفات ما شعرت النفس بأنه جميل في الموضوع وفي الذات التي أحسَّت الجمال بترتيب فِؤويٍّ ابتداءً بالأميِّ الذي هو ناقص الثقافة ضعيف الفكر إلى منتهى فئة عالية التفكير؛ فيُعْرفُ الجمالُ الأرْقى؛ فالفنُّ ههنا معرفة لدى الناقد.. وقوله: (إن الفن لا يهدف إلى إيصال الفكر، ولا على ميزة الصدق) كذب آخر؛ فلا يتم الإحساس بالجمال بدءاً إلا بحضور العقل، ولا يمكن توصيله إلى فكر المتلقي إلا بعمل الناقد الفؤوي الذي أسلفته، والصدق الفني غير مطلوب كصور المبالغة بالمجاز والكناية(18)، ولكن الصدق الخُلقي عُنصر كمالي من مُقَوِّمات هُوُيَّة الجمال.. والخَلْق بفتح الخاء المعجمة كلمة مجازية غير محمودة في ديننا لغير الله سبحانه؛ لأن الخلق إيجاد من عدم، أو إيجاد من مخلوق خلقه الخالق نفسه، والفنان لا يخلق؛ وإنما يقيم فنَّه على أمشاج صور ومشاعر جَرَّدها العقل من المحسوس الموجود؛ فيوصف تأليفه بالإبداع والابتكار المقيَّد لا الخلق المطلق؛ لأنه لا يُعلم أنه مسبوق بنفس ذلك التأليف، ولأن ذلك التأليف لا يُعهد من الطبيعة، ولكنه أَخْذٌ لا خَلْق من عناصرها.. والأحلام ليست خلقاً ولا ابتكاراً بالنسبة لأحلام النوم؛ لأنها إيراء من غيره، وهي في أحلام اليقظة عناصر من الأماني والمخاوف المأخوذة بتجربة الفرد، أو قراءته، أو مشاهدته؛ فلا تكون إبداعاً إلا بعمل الخيال في تأليف عالم متصوَّر في الذهن، وتحقيقه هوية الجمال بعنصر الجلال والكمال. قال أبو عبدالرحمن: وإلى لقاء إن شاء الله مع بقية العناصر، ولكنني أعطف بكُليمة عن شيىء من العفن الفرويدي الذي مضى، وهو أن العلم التجريبي علم واحد لا يُخْتَلَف فيه؛ وإنما يَسْتَجِدُّ الاستنباط منه أو الإضافة إليه، والحقيقةُ لا تُلْغي حقيقة ألبتة، فأخذ حجرٍ من سَطْح القمر (إن صح ذلك) لا يُلغي رؤيةَ القمر الدُّونِيَّة بالتلسكوب، ورؤيةُ التلسكوب لا تُلغي رؤيةَ القمرِ الدونيةَ بالعين المجرَّدة؛ فكل رؤية مرهونة بشرطها.. والعلم التجريبي وقائع حسية قابلة للإعادة.. والفرضية في العلم التجريبي محتملة في الاستكشاف ابتداء، وغير واردة نتيجة.. والتحليل النفسي عند كل علماء النفس، وعند فرويد خاصة كله افتراضي إلا ما وافق علماً قطعياً من علوم الإنسان، أو وافق دلالة خبرٍ معصومٍ صحيح نقلاً ودلالة.. ثم إن نتائج التحليل النفسي مختلف فيها اختلافاً شديداً بين علماء النفس، وجمهورِهم يَتَّخذون دعوى الكبت الجنسي عند فرويد أُضْحوكةً وسخرية.. والعلم التجريبي لا خلاف فيه؛ فدعوى أن التحليل النفسي عِلمٌ إنما هي كِذْبة صلعاء، والله المستعان. (1) فن الشعر - دار الشروق بعمَّان بالأردن - الطبعة الخامسة عام 1992م ص 91. (2) قال أبو عبدالرحمن: استللتُ هذه العناصر من الكتب التالية: الرحلة الثامنة - دراسات نقدية لجبر ا إبراهيم جبرا - المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت - الطبعة الثانية عام 1979 ص 133 - 140، والحرية والطوفان - دراسات نقدية لجبرا عن المؤسسة المذكورة - الطبعة الثالثة عام 1982م 202 - 215 ، والصوفية والسريالية لأدونيس - دارالساقي ببيروت - وأكثر تسويقهم بلندن وجُنيف بأبهظ الأسعار - الطبعة الثانية عام 1995م ص 257 - 285 ، ومعجم مصطلحات الأدب للأستاذ مجدي وهبة - مكتبة لبنان ص 550 ، والمعجم الأدبي لجبُّور عبد النور - دار العلم للملايين ببيروت - الطبعة الثانية عام 1984م ، وفن الشعر للأستاذ الدكتور إحسان عباس رحمه الله تعالى - دار الشروق بعَمَّان - الطبعة الخامسة عام 1992م ص 86 - 91 ، وقد تجاوزتُ نصوصهم الحرفيَّةَ: إما لإضافة خبرة لي سابقة ، وإما للإيضاح والبسط.. مع مصادر أخرى أحلت إليها أو نقلت منها تنصيصاً أهمُّها: الموسوعة الفلسفية العربية لعدد من الأساتذة ويرأس تحريرها الدكتور معن زيادة 2 - 697 - 719 ، وحرَّر المادة عن السريالية في الأدب نهى حجازي ، وعنها في الفن محمود أمهز - الطبعة الأولى عام 1988م معهد الإنماء العربي؛ فأما تعريبهما لتنظير السرياليين فأمر في غاية الفائدة ، وأما مداخلاتهما فهي جُمَل إنشائية تقليدية ليس وراءها ثمرة.. وهذه عادة من يكتبون عن دائرة وسيعة ولا يتفرغون لها؛ فإنما يملكون الاحتواء تعريباً ، والمتابعة التقليدية الهزيلة في مداخلاتهم.. إن الأفكار الفلسفية واللغوية في دعوى سريالية أدبية أو فنية لا تنفع إلا بشواهد من الإبداع الأدبي والفني يتَّضح بها خصوصية السريالية بصفتها مدرسة أدبية تنتج إبداعاً.. وأما المعجم الفلسفي الصادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة - الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية بالقاهرة عام 1403ه فقد دحرج جملة لا تُثَقِّف مبتدئاً ولا تُنير متخصصاً ، وهذا نصُّها ص 97: (السريالية اتجاه معاصر في الفن والأدب يذهب إلى مافوق الواقع ، ويعوِّل خاصة على إبراز الأحوال اللاشعورية).. ومن مصادري أقوال متناثرة فيما بين ص 306 - 348 من كتاب (المذاهب الأدبية) للدكتور جميل نصيف التكريتي - ط دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد عام 1990م. (3) قال أبو عبدالرحمن: بيَّنتُ كثيراً أن أمثال الحرية والمساواة ليست قيماً في ذاتها ، وإنما هي موضوعٌ للقيم؛ فالمساواة عند تكافؤ القُدرات عدل ، والمساواة عند اختلافها ظلم؛ فلا يُساوَى أجر الطبيب بأجر المراسل الأمي؛ فالطبيب أعظم قدرات ، وأنفع أثراً ، وقد جاهد وتغرَّب لتحصيل الخِبْرة.. والحرية قد تكون تحرراً من شرٍّ فتكون خيراً ، وقد تكون تحرراً من حقٍّ فتكون باطلاً.. هذا هو الفرق بين القيمة المعيارية وموضوعها. (4) قال أبوعبدالرحمن: انظر عن تطورات معنى الدادية كتاب (الدادية بين الأمس واليوم) لعلي الشوك - المؤسسة التجارية بمساعدة وزارة الثقافة والإعلام العراقية ص 29 - 41. (5) قال أبو عبدالرحمن: هذا هو العنوان فيما أظن ، ولقد حرصتُ بُعيد عام 1394ه على هذا الديوان ، فنخلت القاهرة حتى وجدتُ نسخة منه قرأتها بتلهُّفٍ؛ فإذا به نظم بارد شبيه بقصائد ألف ليلة وليلة والسندباد والسيرة الشعبية لبيبرس ، ولا يليق بأمير الشعراء ألبتة؛ فألقيت به بمكتبتي بالرياض وقد خاب ظني في الديوان ، ولقد ضاع مع مكتبتي الكبيرة المسروقة ، وقصتها معروفة. (6) قال أبو عبدالرحمن: اليهود من أبرع الأمم في تعلُّم السحر. (7) قال أبو عبدالرحمن: معظم كتب فرويد مترجم إلى لغة العرب ، ولقد أسرفوا في تعريب كتبه عن غريزة الكبت الجنسي.. وكتب علم النفس ، وكتب المصطلحات مليئة بأفكاره وأفكار (كارل غوستاف يونغ) ، ويكفي المستعجل الرجوع إلى مصدرين مبسطين عن اللا شعور هما (المعجم الموسوعي في علم النفس) لمئة وثلاثة وثلاثين من علماء النفس ترجمها وجيه أسعد - وزارة الثقافة بدمشق عام 2001م - 5 - 2175 - 2182 ، وموسوعة علم النفس الشاملة 2 - 47 - 50 - اديثوكريبس انترناشيونال ببيروت عام 1998م. وهي إنشائية بلا توثيق. (8) قال أبو عبدالرحمن: مثْلُ العقلانيةِ النفسانيةُ والشخصانيةُ جعلوها بمعنى المعقول (أي عند كل العقول) بخلاف العقلية الخاصة بعقل فرد.. ومع أن هذا لحن فهو لا يُحقِّق دعواهم؛ فالعقلي حيثما أُطلق فالمراد به العقل البشري المشترك ، وإذا أريد التقييد والتنويع قيل: العقل الماركسي نسبة إلى ماركس ذاته ، والعقل اللغوي ، والعقل المثالي نسبةً إلى الفلسفة المثالية ، والعقل الشيوعي. (9) قال أبوعبدالرحمن: بيَّنتُ كثيراً أن التبرير بمعنى التسويغ غير منقولة في المعجم اللغوي ، ولكنها صحيحة بنموِّ المجاز؛ فلا تسويغ إلا بشيىء مبرور بمعنى البِرِّ - بكسر الباء الموحدة التحتية - والزكاء. (10) قال أبوعبدالرحمن: انظر (الرحلة الثامنة - دراسات نقدية) المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت - الطبعة الثانية عام 1979م ص 136 ، وقد ذكر نبذة من البيان ص 135 - 136 ، وعزا الأفكار السريالية إلى اثنين من اليهود هما: فرويد ، وكارل ماركس؟!.. وتأثيرهما من جهة استدرار مَلَكة الخيال ، وأما السلوك الفكري والجسدي فمبثوث في أدبيات الجنون في مدارس الأدب المختلفة ، وأبوها الروحي على الحقيقة الفلسفة الوجودية التي هي مصدر العَدَميَّة والغثيان والهيبية والعبثية.. مع العلم أن الماركسية في الفن والأدب في حساب المدارس الواقعية بميزة رفض الغموض ، والدعوة إلى المباشرة؛ فأدبهم أدب شعارات خطابية رنانة.. وهيجل أكثر تأثيراً من ماركس وفق عناصر من فلسفته الفنية ، وله أعمال في ذلك مُترجمة ، ولكن تجد المهم في موضوعنا باختصار في كتاب (مدار الكلمة - دراسات نقدية) لأمين ألبرت الريحاني - دار الكتاب اللبناني - الطبعة الأولى عام 1980 م ص 207 - 210. (11) قال أبو عبدالرحمن: المنظور اللوحة ، وفي تفلسف هيجل ما حكاه الريحاني.. قال في مدار الكلمة ص 208: (الغنائية تنشد الأزل ، والملحمة تُمجِّد التاريخ ، بينما المسرح يرسم لوحة الحياة.. ميزة الأولى هي البداهة ، وميزة الثانية هي السلطة ، أما ميزة الثالثة فهي الحقيقة.. الغنائية تحيا بالمثالية ، والملحمة بالفخامة ، والمسرح بالواقع.. أبطال الشعر الغنائي هم من نسج الأساطير (آدم وقايين ونوح) ، وأبطال الملاحم من العمالقة (اخيل اترى اورست) ، (أما أبطال المسرح فهم من البشر - هملت مكبث وعطيل - ). قال أبو عبدالرحمن: لا معنى للأبدية الغنائية إلا بدعوى أن الغناء ضربة لازب في حياة البشر.. ولا عجب في جعله آدم ونوحاً عليهما السلام أساطير؛ لأن علمانية الميتافيزيقا التاريخية تُمجِّد مثل (بعل) ، وتعمِّق آثار وجوده وتهمل سيرة الرسول إلياس صلى الله عليه وعلى نبينا محمد وعلى جميع أنبياء الله ورسله الذي بُعث إلى عُبَّاد بعل ، بل بعل حقيقة والرسول أسطورة؟!.. فيا ليت شعري كيف تكون ديار ثمود بغير صالح عليه السلام ، والأحقاف بغير هود عليه السلام ، ومدين بغير شعيب عليه السلام ، وسدوم أو البحر الميت بغير لوط عليه السلام ، ومكة بغير إبراهيم وإسماعيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام؟! (12) قال أبو عبدالرحمن: بينت كثيراً أن (عديدة) تعبير عن جملة عدد القوم بلا إحصاء سواء قلُّوا أو كثروا ، وليست بمعنى كثيرة. (13) قال أبو عبدالرحمن: الأفصح (كثير) ، وهي لغة القرآن الكريم. (14) قال أبو عبدالرحمن: كاف (كعبقري) سُفْعَة قبيحة كثرت في لحن المعاصرين ، والصواب (بصفته عبقرياً)؛ لأن المراد الوصف المطابِق لا التشبيه المقارب. (15) الرحلة الثامنة ص 137.. قال أبو عبدالرحمن: سمعت مسخاً من البشر الهاملين يتمنى أن تنشر الصحف بالعناوين الكبيرة قصته وقد سقط منتحراً من أعلى عمارة بشارع الوزير!!. (16) الحرية والطوفان ص 202 - 203. (17) الحرية والطوفان ص 204. (18) قال أبو عبدالرحمن: عدم الصدق الفني بتعبير إيجابي مطلبٌ جمالي؛ فلا يتميز النص الفني إلا به. وكتبه لكم: أبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري