ظل الشعر أسيراً للجدل واختلاف الآراء بين نقاده على مر العصور ، وكان حائراً ومتردداً بين ضفتين مهمتين من حياة المبدع ، وهما ضفتا الشعور واللاشعور. وأكدت بعض المدارس النقدية على أن الشعر هو انعكاسٌ للتفكير المنطقي وأنه مرتبط ارتباطاً شديداً بآلية التفكير الواعية .. ورأت أخرى ارتباط علاقته بحالة المزج بين التفكير الملموس وجانب ضئيل من اللاشعور أو الإحساس الداخلي .. بينما كانت أكثر المدارس تطرفاً في مسألة اللاشعور أسيرة النظرة إلى ارتباطه بنسبة كبيرة بالخيال أو العقل الباطني أو الحالة اللاشعورية ومنها السريالية أو الرمزية ...إلخ. ورغم هذا لم يبرح الشعر مكان حيرته هذه ولا يزال صوته عالقاً في فضاء المساحة الخالية بين الشعور واللاشعور فرأت بعض هذه الاتجاهات أن" الشعر نتاج حالة إنسانية تتكوّن خلال تراكمات في اللاشعور ثم ينفجر كالينبوع في الزمن التي يفرضها ويبقى المحرك الأساسي للإبداع الشعري هو عامل الحب الذي بدونه لايمكن أن يكون هناك شعر كما يرى ميلي بأنه العنصر الخامس في تكوين المخلوقات" ، وتستند النظرة المتعلقة بلا شعورية الإبداع إلى ما طرحه فرويد الذي أكد عثور البحوث التحليلية النفسية على خصائص للحياة النفسية اللاواعية لم تكن قبل ذلك متوقعة وكشف بعض القوانين التي تتحكم بها ، ويقول فرويد " ولسنا نقصد من ذلك أن سمة الوعي قد فقدت قيمتها في نظرنا فما زال الوعي ( الشعور ) النور الوحيد الذي يسطع لنا ويهدينا في ظلمات الحياة النفسية ، ولما كانت معرفتنا ذات طبيعة مخصوصة ، فإن مهمتنا العلمية في مجال علم النفس ستتمثل في ترجمة المسارات اللاواعية إلى مسارات واعية حتى نسد بذلك ثغرات إدراكنا الواعي". وفي مقالات سابقة تتعلق بالحديث عن علاقة الشعر بما حوله أوضحت أن روح الإبداع لا يمكن أن تتجلى بالشكل الكامل إلا عندما يتوقف تدفق المنطق وأن الإبداع هو حالة من الاستسلام كما يقول أوشو . وتتوثق العلاقة بين الشعر واللاشعور في أن الشعور حقيقي ينبع من المنطقة العميقة بالنفس والتي تتبخر من حولها الأنماط العقلية الجاهزة وخاصة في مجال تذوق الجمال والإحساس به أو الممارسة المباشرة للفن " فالجمال عبارة عن شعور يتملك المتفاعل مع العمل الفني في لحظة استشراق باطني " ، وهذا الشعور يعضد ( التفرد النفسي ) لذلك لا يمكن تنميطه وإخضاعه لقوانين تعتمد المنطق والإدراك الحسي.