قد يكون الهمس في بعض الأحيان هو المطلوب، بخاصة إذا كانت المشكلة في المحيط الضيق، ولم تتجاوز الحدود المعقولة، ولكن عندما تكون المشكلة مدركة من الجميع، ولكن الكل يؤثر الصمت خجلاً تارة وتعففاً من الخوض في مثل هذه المشكلة تارة أخرى، فإنه يحق لنا في هذه القضية أن نرفع أصواتنا ونطالب الجهات المختصة بالنظر في الأمر بعين فاحصة وفهم وإدراك لخطورة مثل هذا الأمر أو ذاك. اليوم آتيكم بنبأ عظيم، تعلمونه أو لا تعلمونه، بل أكثركم يعلمه، وإن كان لا يدرك فداحة الخطر وفظاعة المشكلة. قلت يوماً ما في هذه الزاوية أن جيل اليوم متمرد، وتحدثت عن هذا التمرد في قناة الإخبارية أيضاً، ولكن ما أقوله اليوم ليس تمرداً ولكنه أشد وأنكى.. إنه فجور وانحطاط أخلاقي بكل ما تعنيه الكلمة، إنه ضياع لفئة من رجال المستقبل، إنه انتكاسة.. إنه خلاف للفطرة.. إنه مما يهز له عرش الرحمن.. هل أقولها بصريح العبارة؟ إنها قضية الشذوذ الجنسي..!! لا عجب أن أطرح هذا الموضوع بين يدي من يعنيهم الأمر، فالخطب جلل، والمصيبة عظمى في شباب الوطن، الذين أخذوا يقلدون الغرب في كل سقطاتهم وسخفهم وانتكاسة فطرتهم، ويصدون عن علمهم وابتكارهم وتميزهم في مناحي الحياة. إن هذه القضية التي أعكر بها مزاجكم ليست قضية شاذة غير معلومة، بل إنها صارت ظاهرة في بعض جامعاتنا وهؤلاء الشواذ يعرفون بحركاتهم التي توحي بسلوكهم المشين. علماء النفس وحدهم يدركون مسببات هذه السلوكيات المنحرفة، ويعلمون خطورتها على مستقبل هذا الشاذ، ومستقبل من حوله، لأن المسألة خلاف للفطرة التي فطر الله الناس عليها، فالزنا على فضاعة جرمه إلا أنه يأتي ضمن الرغبات الطبيعية للرجل والمرأة، ولذا من يرتكب هذه الفاحشة إذا تاب وأناب فإنها لا تؤثر عليه نفسياً ولا تسبب له عقداً مستقبلية، أما الشذوذ فإنه يبقى مع صاحبه ولو طال الزمن ولو تخلص منه فإنه يبقى عقدة نفسية تسبب لصاحبها ألماً وحسرة ربما تجره إلى ما هو أفظع وهو الانتحار. شاب في كلية مرموقة يخاطبني باحثاً عن حل لهذه المشكلة التي لم تعد خفية بل الكل في الجامعة وليس في الكلية فقط يعلمها، شباب مخنثون يعرضون أجسادهم كما تعرض البغي جسدها، لا من أجل مال، ولكن من أجل (من وجهة نظري) محاكاة المجتمعات المنحطة، وتقليد لما تعرضه بعض القنوات الفاسدة..! لا تعجبوا فليس العجب هنا، ولكن العجب أن هذه الجامعات وهذه الكليات تعلم بهذا الوضع، وهي التي تضم أساتذة في علم النفس وأطباء، وخيرة رجال التربية والسلوك، ومع ذلك فلم تحرك هذه الجامعات ساكناً، ولم تعر هذه المشكلة أي اهتمام. هذا هو العجب الحقيقي، إذا لم تكن محاضن العلم تهتم بمثل هذه القضية، وتبذل كل جهدها في تنقية المجتمع وحماية أبنائه من الانحراف فمن يقوم بهذا الدور..؟ إن من مقاصد التعلم وطلبه الرقي بالإنسان إلى مراتب النبل والدرجات العالية من الأخلاق، فالأخلاق ليس لها دين ولا لغة ولا أرض، فهي مطلب جميع البشر مسلمهم، وكافرهم، عربيهم، وعجميهم، ولذا عندما بعث محمد صلى الله عليه وسلم قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، إشارة منه عليه الصلاة والسلام إلى وجود أخلاق فاضلة ونبيلة بين الناس. إن مما يؤسف له في مجتمعنا سكوتنا عن كثير من القضايا التي تعد من القضايا الخطيرة على مستقبلنا وكأننا لا نريد من يعكر علينا حياتنا، ونركن إلى الصمت، وفي أحسن الأحوال الحوقلة والاسترجاع، ولا شيء بعد ذلك..! وإذا وقعت الواقعة وسقطت القلوب من الفاجعة أفسدنا كل ما حولنا، وكأننا لمن نكن نعلم قبلاً بهذه الزوابع المقبلة، إننا يجب أن نعترف بأن كثيرا من شبابنا يعانون من مشاكل أخلاقية، لا يمكن أن تحل إلا بتصدي أهل الاختصاص لها، لا من خلال التوعية فحسب، وإنما من خلال مواجهة أصحاب هذه المشاكل وجهاً لوجه فذلك أدعى لمعرفة المشكلة بكل تفاصيلها ومساعدة هؤلاء الشباب على حلها. نتكلم عن تقدم علمي وتقني تنتظره بلادنا، لكننا لا نتلمس مكامن الخلل في أخلاق أبنائنا..! إن الأخلاق هي صمام الأمان لأي مجتمع في أن يبقى رائداً متقدماً له رؤية ونظرة يحترمها الآخرون، الشاعر العربي الذي قال: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا كان يعي تماما خطورة فقدان الأمة أخلاقها. فهل نعي نحن اليوم خطورة تعرض أخلاق شبابنا للريح العاتية التي تقتلعها من جذورها؟ [email protected]