تكثر في مجتمعاتنا حالات البحث عن أي علاج لكل طارئ صحي، أو عارض مرضي، فالجميع يلهث في رحلة البحث عن إجابة، والركض وراء أي بصيص أمل في النجاة من منغصاته وآلامه التي يغلب عليها طابع الألم النفسي أكثر من كونه معاناة محضة جراء مرض عضال. إلا أن هذه المعاناة في البحث عن علاج ودواء عادة ما يصاحبها حالات كثيرة لا تحصى من ادعاء لدى بعض المتظاهرين بقدرتهم على العلاج، والظن بمعرفة الأمراض، والتوهم ببراعة تشخيص الأسقام، وجل هذه الادعاءات تنشأ من قبل مدعي العلاج الشعبي الذين تتداخل في ممارساتهم طرق الكي والرقية والنفث والتدليك واللبخات وتجميع الأعشاب، والماء المنقوع بالرذاذ.. ذلك الذي لا سبيل لتنقيته فكيف به أن يكون علاجاً ناجعاً للكثير من الأمراض؟! ففي رحلة البحث عن الشفاء أو الخروج من المآزق النفسية والذهنية، وبدلاً من أن يذهب هؤلاء إلى الطبيب أو العيادة أو المستشفيات المنتشرة في كل مكان، نجدهم وقد تدافعوا على الاستراحات المعدة للطب الشعبي والأعشاب والماء المنقوع والزيوت التي قد لا يعرف لها مصدر أو مورد، فكيف تكون هذه الاستراحات في أطراف أي مدينة عيادة طبية لا وجود للطب فيها؟! فرغم كونها مجمعاً للأوهام والخيالات والتهيؤات فإن هذه الأماكن تزدحم وتشهد إقبالاً لا نظير له، وكأن من يمارس الادعاء بالعلاج الشعبي قد وُجِدَ لديه فتح علمي لأمراض كثيرة ما زال الطب الراقي، والعلم الخلاق، والمعامل العلاجية، والمختبرات المتخصصة تبحث في تفاصيله وأسبابه. فالعلماء وكبار الباحثين في أماكن من العالم لم يتوصلوا بعد إلى أي نتيجة قاطعة بشأن هذه الأمراض المعاصرة وسبل علاجاتها، فكيف بهؤلاء الأدعياء وهم يُصوِّرون لمن حولهم أنهم اكتشفوا العلاج تلو الآخر لكل مرض؟! إلا أنه سرعان ما تتكشف ادعاءاتهم، لتتبخر هذه الأوهام ويعود المريض إلى سابق عهده في المعاناة مع حالته وشكايته. الأخطر من هذا وذاك حينما تتحول هذه التجارب والممارسات لدى أدعياء العلاج إلى طرق أبواب السحر، وفتح نوافذ الشعوذة.. تلك التي يصدق أمرها الكثير من البسطاء ولاسيما الذين يرتادون العيادات الوهمية أو الاستراحات العلاجية!! فحينما تضرب على وتر المس تدافع الناس للرقية، وكلما أوهمهم هؤلاء المعالجون بأن الأمر لا يخلو من سحر، لا يجد صعوبة في استدراجهم إلى ممارسة الشعوذة والدجل، والتصديق بأمر قدراتهم الخارقة لطرد الأرواح الشريرة وما إلى تلك التهيؤات والأوهام. وقد يبتعد الأمر في هذه الاستراحات التي باتت وكأنها عيادات متخصصة في ادعاء كل علاج، كأن يكون هناك قسم خاص يرعى أمر التمائم والعزائم التي يزعم أصحابها أنها تجلب الحظ، وتوفر المال، وتفرق بين الأزواج، وتجمع بين الفرقاء. الأمر المحير أن هذه التجمعات والخزعبلات وادعاء الطب يسير جنباً إلى جنب مع كل منجز طبي جديد، أو فتح جراحي، أو تطوير علاجي، فلم يعد الناس مدركين لحقائق الطب، إنما شغلهم الشاغل هو البحث عن أي استراحة تقوم بدور العلاج لأي مرض أو أي ضيق حال أو عثار نفسي.. فالمهم لدى روادها هو التعلق بقشة واهية تحت يدي من ينفث، ويدعك ويدعي أنه الخبير بكل أمراض العصر. [email protected]