منذ احتلال إسرائيل للأراضي العربية سنة (1967م) والتي تبقى منها الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس الشريف وقطاع غزة وهضبة الجولان السورية والمجتمع الدولي يطالبها بالانسحاب من تلك الأراضي لتعارض هذا الاحتلال مع الشرعية الدولية، فقد أصدر.. ..مجلس الأمن الدولي القرارين رقم (238) و(242) الذين يطالبان إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، كما أن إسرائيل لم تتفاعل مع الكثير من الجهود الدولية التي بذلت لاحلال السلام بسبب تمسكها بالأراضي العربية المحتلة ومن تلك الجهود مؤتمر مدريد لإحلال السلام في الشرق الأوسط الذي عقد في مدريد سنة (1991م) واتفاق أوسلو الذي تم بين الفلسطينيين والإسرائيليين والمبادرة التاريخية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- لإحلال السلام بين العرب وإسرائيل. فبالنسبة لاتفاق أوسلو انسحبت إسرائيل من عدد من المدن الفلسطينية ولم تكمل عملية الانسحاب من كامل الضفة الغربية بسبب اعتراض اليمين المتشدد في إسرائيل الذي وصل به الأمر إلى التخلص بالاغتيال من رئيس وزراء إسرائيل الأسبق (إسحاق رابين) الذي سبق أن وصفه الرئيس الفسلطيني الراحل ياسر عرفات بأنه شريكه في صنع السلام، وهو بالفعل كذلك فقد أبدى رابين مرونة واضحة في هذا المجال عندما وقّع اتفاقاً مع ياسر عرفات أمام الرئيس الأمريكي (بيل كلينتون) الذي سمح بموجبه بعودة الزعماء الفلسطينيين إلى بلادهم وانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة (1967م). أما بالنسبة لمبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رعاه الله- والتي تبناها جميع العرب ورحب بها المجتمع الدولي فإن إسرائيل بدلاً من أن تعتبرها فرصة لها للتعايش مع جيرانها العرب طالبت بإجراء مفاوضات حولها مع أن هذه المبادرة ليس فيها ما يتطلب التفاوض لوضوحها ومصداقيتها وذلك باعتبارها تستند إلى مبدأ الأرض مقابل السلام، فهذه المبادرة تضمن لإسرائيل الاعتراف بها من العرب مقابل أمر مشروع يقع على إسرائيل تبعة إنجازه وهو الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس الشريف. وإسرائيل وإن كانت قد انسحبت من صحراء سيناء المصرية بعد مفاوضات طويلة ومريرة والتي جاءت بعد انتصار مصر في حرب (1973م) فإنها لا تزال تحتفظ بالضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان. وتعلل إسرائيل استمرار احتلالها لهذه الأراضي تارة بأن ذلك سوف يضمن لها الأمن، وتارة بسبب مقاومة الشعب الفلسطيني. ولأن هذه الأسباب التي أثارتها إسرائيل وأعلنت أنها السبب في عدم انسحابها من الأراضي المحتلة وإحلال السلام في المنطقة وقد تلاشت، فالعمليات الانتحارية التي يقوم بها بعض الفلسطينيين داخل إسرائيل قد توقفت بسبب إدانة المجتمع الدولي لها، والمقاومة المسلحة ليست قائمة حالياً، فإن إسرائيل استغلت سابقاً الاختلاف الفلسطيني الذي حصل بين منظمة فتح وحركة حماس والذي أدى إلى الانقلاب الذي قامت به حركة حماس وانفردت بموجبه بحكم قطاع غزة لكي تكون شماعة تعيق أو تؤخر على الأقل عملية السلام خاصة بعد أن لاحظت نشاط الرئيس الأمريكي (جورج دبليو بوش) في هذا الاتجاه ورغبته في تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين قبل نهاية فترة حكمه في العشرين من يناير سنة (2009م)، بدليل دعوته إلى مؤتمر (أنا بوليس) الذي عقد في الولاياتالمتحدة والذي حضره كثير من دول العالم بما فيها الدول العربية الفاعلة والذي يهدف إلى إطلاق عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ثم قيامه بزيارة العديد من دول المنطقة بما فيها إسرائيل والسلطة الفلسطينية. فالتصريحات التي أدلى بها (أولمرت) رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق والذي تمسكن فيها أمام الرئيس الأمريكي أثناء زيارته لإسرائيل بأن الشعب الإسرائيلي يعاني من صواريخ القسام التي تطلق من قطاع غزة وأن إسرائيل لن توقع سلاماً مع الفلسطينيين حتى يتوقف ذلك، جاءت مخيبة للآمال وربما أن هدفها هو الحد من اندفاع الرئيس الأمريكي السابق نحو السلام، وإلا فأين إسرائيل من السعي نحو السلام قبل وقوع الاختلاف الفلسطيني بين فتح وحماس عندما كانت السلطة كلها في الضفة والقطاع بيد أبو مازن بل وقبل أن تشارك حماس في الحكم؟. وبعد أن تولى الرئيس (باراك أوباما) الحكم في الولاياتالمتحدة وأدركت إسرائيل اندفاعه نحو حل الصراع العربي الإسرائيلي وتعيينه ممثلاً خاصاً له يتولى عملية التنسيق بين العرب وإسرائيل في سبيل الوصول إلى حل نهائي أثارت إسرائيل قضية توسيع المستوطنات الإسرائيلية التي أقامتها في الأراضي الفلسطينية من دون وجه حق إذ إنه بعد حرب 1967م أصدرت الأممالمتحدة عدة قرارات من أهمها قرارا مجلس الأمن الدولي رقم (238) ورقم (242) بضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة، ومع ذلك لم تنسحب من تلك الأراضي رغم مضي هذه المدة الطويلة إلا من سيناء (حسب ما أشرنا من قبل) وعدم انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية سببه دعم الموالين لها بسكوتهم عنها وتهاونهم بالحقوق العربية، حيث لم تكتف إسرائيل المعتدية بالإستيلاء على الأراضي العربية والبقاء بها هذه المدة الطويلة، بل قامت بتغيير معالمها وبنيتها السكانية بإقامة العديد من المستوطنات داخل الأراضي العربية وهو دليل على أنه ليس في نية إسرائيل الانسحاب من تلك الأراضي، إذ إن إقامة هذه المستوطنات في أراضي الآخرين يخالف قواعد القانون الدولي التي تحث على عدم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة وإذا تم هذا الاستيلاء فإنه يجب عدم إحداث تغييرات عليها، كما أن إقامة هذه المستوطنات التي قامت إسرائيل بإسكان المهاجرين اليهود فيها مخالف لقراري مجلس الأمن الدولي -سالفي الذكر- اللذين صدرا في سنة 1967م واللذين يقضيان بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، إضافة إلى أن هذه المستوطنات غير المشروعة أصبحت عقبة أمام إحلال السلام إذ إن إسرائيل ترغب في بقائها في حين أن الفلسطينيين وبطبيعة الحال يطالبون بإزالتها لكونها تشكل جسماً غريباً في أراضيهم. فهل أصبحت المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية وتوسيعها شماعة جديدة لإسرائيل لكي يتمركز البحث والنقاش والتفاوض حولها بدلاً من القضية الأساسية وهي انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967م بما فيها القدسالشرقية ومن ثم إقامة الدولة الفلسطينية كما يطالب المجتمع الدولي وذلك من أجل إضاعة الوقت وإعاقة عملية السلام ووقف اندفاع الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة أوباما نحو السعي لإحلال السلام بين العرب وإسرائيل عن طريق مفاوضات جدية وفاعلة. والمعتقد على نطاق واسع أن هذا هو السبب في إثارة قضية المستوطنات إذ إنه خلال المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية السابقة برئاسة (أولمرت) ونائبته وزيرة الخارجية (لفني سفني) كانت الخلافات بين الجانبين تتعلق بالقدس وعودة اللاجئين، ولم تحتل قضية المستوطنات مركزاً مهماً في المفاوضات اعتقاداً من الجانبين أنها من الأمور التي يمكن الاتفاق حولها.