بحلول الحادي عشر من الشهر الجاري (غداً الثلاثاء) تكون تسعة أعوام قد مرت على دفن (جسد) الفنان الراحل طلال مداح ورحيله إلى دار الحق وخسارة الفن العربي واحداً من أهم رموزه الذين تشكلت أصواتهم في ذاكرة الإنسان العربي. طلال مداح يعتبره المنصفون أحد أبرز صانعي هيبة الفن السعودي، وهو قدّم نفسه للجماهير صوتاً ترتخي حوله الآذان مذ كان صغيراً يبحث عن مكان بين الكبار حتى دانت له الشهرة في زمن كان الفن فناً ولم يختلط على الناس حابل الفنانين بنابلهم، وهو أحد الذين ساعدوا على انتشار الأغنية السعودية في الخارج بعد أن سبقه إلى ذلك الموسيقار العميد طارق عبدالحكيم. برأيي أننا نخطئ حين نعلن وفاة الفن برحيل طلال مداح، وفي ذلك انتقاص كبير من البعض لكننا لا ننكر أبداً أننا فقدنا واحداً من كبار فناني الوطن العربي، فيما يستمتع البعض بالمزايدة على محبة طلال مداح وسن المقارنات الواحدة تلو الأخرى برفاق دربه ليس حباً في هذا، بل غيظاً لذاك. حين مات طلال مداح شهدت ليلتها كيفَ هَطلت الجماهير من جبال أبها كالمطر ينسابون زرافات ووحدانا إلى محيط المشفى حيث نقل هناك، وكان أملهم أن تشفع لهم دمعة يسكبونها على قلب الراحل كي يصحو من مرقده.. كان موقفاً مهيباً. يحدثني كبارٌ في السن التقوا طلال مداح وجالسوه وارتحلوا معه فلا يختلفون على سيرته وطيبته متفقين على أن بساطته أثّرت على اختياراته لمعظم أعماله، ويتحدثون عن عفويته التي جعلته فناناً امتزجت ألوانه بأوردة قلبه الذي اتسع لكل من عرفه، ونال شرف الجلوس معه والاستئناس بصوته، ومكانته التي لم تتغير رغم أنه تخلى عن منافسة رفيق دربه منذ منتصف الثمانينيات، وربما قبل ذلك. طلال مداح بلثغته الجميلة وصوته الأخاذ رحل وهو الذي شكّل لوحة في ذاكرة السعوديين ولم يختلف عليه أحد، ومكانه حتى اليوم ما زال خالياً وربما لسنوات قادمة، وإن كنت أرى بأن هذا المكان بات ضرباً من الخيال أن يحتله أحد دون انتقاص مني لأحد.