يخطئ من يظن أن (الطقس) وحده هو السبب الرئيس في إقبال الناس على زيارة منطقة (ما) أو مدينة (ما) دون غيرها لقضاء إجازاتهم، وغسل همومهم -وبعض الهموم لا يمكن غسلها- بعيداً عن صخب الحياة وروتينها، فقد ذهب زمن الجو الجميل، وبات الزائر يبحث عن شيء يلبي احتياجاته، ويرضي فضوله خلال الأيام القليلة التي سيقضيها. ف(دبي) مثلاً، والتي ترتفع فيها درجة الحرارة خلال الصيف إلى أكثر من (48) درجة، سجلت فنادقها وشققها أعلى نسبة تشغيل خلال الصيف الماضي، بحيث أصبح إيجاد غرفة في فندق صغير -هذا إذا كان هناك فنادق صغيرة- مسألة غير محسومة وصعبة المنال. قس على ذلك (القاهرة) وغيرها من الأماكن التي يندفع الناس إلى زيارتها صيفاً وبأعداد هائلة من هنا فإن (معزوفة) الهواء البارد، لم تعد تستهوي إلا قلة من الناس (الغلابة) والذين وقعوا بين (مطرقة) الظروف الموحلة، و(سندان) أم العيال المفترية! وفي تقديري أن السياحة الحقيقية هي تلك التي تلبي احتياجات السائح، من سكن مريح وبأسعار معقولة، وأماكن ترفيهية وخدمة متطورة. وأظن أن منطقة عسير -تحديداً- والتي ربطت مستقبلها بالسياحة قد نجحت إلى حد ما في تحقيق بعض ما يحتاجه السائح.. بيد أني لازلت أصرُّ على حاجتنا إلى ترسيخ مفهوم (الثقافة السياحية) وليكن الشعار الذي نرفعه هو (السياحة تعني المستقبل).. وعن طريق ذلك يصبح الموطن والمستثمر على دراية بحجم التحدي.. وأظن أن الهيئة العليا للسياحة تعي ذلك، وبالتأكيد فهي تعرف أن الهواء الجميل والمناطق الباردة إذا لم تدعم بعوامل جذب أخرى للسائح، ستفقد الكثير من معطياتها.. وستبقى السياحة في الداخل مسألة عاطفية صرفة. ولعل الملفت أن بعض من دخل بوابة الاستثمار السياحي في مصائفنا يعتقد أنه يملك حرية التصرف في ما يقدمه عبر الفنادق أو الشقق للمستأجر.. فقد شاهدت بعض الشقق المفروشة في إحدى مصائفنا وهي في حالة مزرية وبعضها ليس فيها مستقبل للقنوات الفضائية والتي يحرص الكثيرون على متابعتها بل إن بعض الفنادق من فئة (خمسة نجوم) لا تسمح ببث القنوات الفضائية عدا قناتي (المجد) و(الجزيرة) برغم أن سعر الغرفة للفرد (500) ريال لاغير! وهذا في يقيني يدل على عدم استيعابنا لمفهوم المرفق السياحي الذي يفترض أن يلبي احتياجات الآخرين، ورغباتهم.. لا رغبات صاحب الفندق أو الشقق المفروشة أنني من أشد الدعاة إلى السياحة الداخلية.. لاعتبارات كثيرة، منا أنها مسألة وطنية ينبغي أن نشجعها، ونبحث عن طرق لاستقطاب شرائح المجتمع المختلفة، كما أن من الضروري أن نبحث عن المشاكل التي تعترضها حتى يمكن تلافيها.. وأعتقد أن السياحة في الداخل تحتاج إلى جهد مضاعف لاستقطاب تلك الأعداد الهائلة التي تغادرنا كل صيف... وتحتاج إلى قرارات صارمة تحد من جشع المستثمرين.. ولكم أن تتصوروا أن إيجار بعض الشقق في أبها (800) يومياً!! وقد أذهلني خلال زيارتي لمصيف (الزبداني) في سوريا في صيف مضى.. حجم السياح السعوديين المتواجدين فيها.. فلا تكاد ترى إلا السيارات السعودية والثياب والعباءات السعودية؛ حتى خلت أنني في مدينة سعودية لا سورية.. رغم أن الجو عادي والإمكانات السياحية غير متميزة.. وأشهد أن الجو في منطقة عسير أجمل والأمطار أكثر هطولاً خلال الصيف.. إذن ما الذي دفع هؤلاء السياح إلى أن يقطعوا آلاف الكيلومترات لقضاء بعض الأيام في ذلك المصيف أو غيره؟ لا بدَّ أن هناك شيئاً يوجد في تلك المصائف الخارجية ولا يوجد لدينا. أعود فأقول.. إن السياحة في الداخل هي السياحة الأنقى والأفضل لكل الأسر التي تبحث عن الراحة، والأمن والاطمئنان.. ولكنني أعتقد أن المسألة تحتاج إلى جهود مضاعفة حتى نستطيع استقطاب الأعداد الهائلة من الباحثين عن سياحة بريئة ونقية. أما السياح الذين عناهم الأمير (خالد الفيصل) في قوله: (لأهل السفر غاية.. وأنا غايتي غير)! فهم لا يعنوننا.. ولا نحتاجهم. بل عليهم أن يبتعدوا عنا، وعن ديارنا، وكفانا الله شرهم!! [email protected]