إننا نعيش في المملكة العربية السعودية على مستوى التعليم العالي في نقلة كمية ونوعية لا سابق لها مدعومة بدعم سخي لا محدود من قبل الدولة.وأصبح الآن الطريق ممهداً لترجمة هذه التطورات والدعم إلى نتاج ومخرجات تتواكب مع ما يتم من دعم وتشجيع ليترجم في نهاية الأمر إلى مساهمة فاعلة وناجحة لتنمية الوطن والمساهمة في رفعته وتقدمه وبالذات في مجال التنمية البشرية من خلال البحث العلمي الأصيل. إن الحراك والنشاطات المتسارعة الملحوظة والمشاهدة في بعض جامعاتنا الرئيسية في ترجمة مفهوم البحث العلمي وأهميته إلى فعل وسياسة وهو ما يلحظه ويشهد به الوسط الاجتماعي والإعلامي من هذه الوتيرة وهو دليل على بداية لترجمة الرؤى والأحلام الوردية للوصول إلى العالم الأول من خلال البحث العلمي ومن خلال أدوات البحث العلمي ومحاضنه وهي الجامعات وبناء على الدعم اللامحدود من الدولة للبحث العلمي، وكذلك الانتقال إلى الاشتراك والمشاركة مع الشركات ومؤسسات المجتمع المدني من إجراء ودعم وتمويل وإنتاج البحث العملي المفيد، ولهذا فإني أعتقد أن المسافات البعيدة للحاق بركب الأمم المتقدمة والمتطورة والمنتجة في العالم التي كانت التقارير تشير إليها في الأمس القريب قد أصبحت أكثر قرباً وواقعاً وأن الجامعات المميزة الأربع هي ما يقود إلى المكانة التي يحلم بها ويأمل في الوصول إليها كل مواطن ومسئول بل وأن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا هي من سيقود هذا الركب في القريب العاجل. ولن يكون الرهان كافياً للوصول إلى القمة والعالم الأول من خلال عدة جامعات، بل لابد لجميع الجامعات السعودية وخاصة القادرة والمؤهلة أن تدخل في عالم المنافسة والمشاركة. هذا التنافس المحمود والسريع بل ولابد أيضاً لجميع مؤسسات التربية والتعليم ومؤسسات القطاع الخاص والشركات والمصانع أن يتضامنوا ويشاركوا في هذا السياق. ويسرني أن أقدم بعض التوصيات والمقترحات التالية التي أرى ضرورتها لتفعيل شراكات ناجحة بين الجامعات والمجتمع مما يصب في نهاية الأمر في خدمة الجامعة وتنمية المجتمع وبما يحقق أحلام الأمة ويصنع مستقبلها: أولاً : إن أهم محركات ودوافع الباحثين للقيام بالأعمال والمشاريع البحثية وتوظيف وتطبيق ما تعلموه والمساهمة به في خدمة المجتمع هي الحوافز المالية وفي ضوء ما يخصص من مكافآت حالية للباحثين ومساعديهم والمستشارين وبقية أعضاء الفرق البحثية فإنها لا تفي بمتطلبات وحاجات ومكانة الأساتذة الباحثين مهما تذرع المشرعون بأعذار. وبمثل ما تم من تحسين وزيادة مجزية للأساتذة القائمين على التدريس أو أعمال إدارية في الجامعات، فلابد من سرعة تعديل بنود ولوائح مكافآت الباحثين ولكن بطريقة تضمن جودة وكفاءة الأبحاث التي يقومون بها ومخرجاتها حتى تكون المكافآت حافزاً للأساتذة لإعادة تأهيل أنفسهم أو بناء مهاراتهم البحثية بشكل يضمن جودة مخرجات البحوث التي يقومون بها لأنفسهم أو لجامعاتهم بالمشاركة مع جهات أخرى وبما يصب في خدمة وتنمية الوطن ويجعل الأساتذة الباحثين قادرين على دخول منافسة الشراكات البحثية بقوة واقتدار. ثانياً: إن من الضروري إعادة النظر في هيكلية وحدود الأعباء التدريسية والمهام المناطة بأساتذة الجامعة المؤهلين للقيام بالأبحاث وبالتالي التخفيف عنهم من هذه الأعباء للتفرغ لأبحاثهم بحيث يكون قيامهم بالأبحاث مرتبطاً بما يخدم مهامهم ووظيفة رسالة الجامعة فلا تتصور في ضوء الأعباء التدريسية الكاملة لأعضاء التدريس حالياً أن ينخرطوا بكفاءة واقتدار في مجال البحث العلمي. ثالثاً: وبما أن الإجراءات الإدارية والقانونية ساهمت وتساهم في أحجام الكثير من أساتذة الجامعات عن الانخراط في المشاريع البحثية الفردية والجماعية لذا فمن الضروري البحث عن آليات حديثة عن طريق الجامعات أو عن طريق وزارة التعليم العالي للتخفيف من هذه الإجراءات وتيسيرها بما يشجع الباحثين على التقدم بمشاريعهم البحثية بدون الدخول في التعقيدات الروتينية المعمول بها حالياً والتي تطلب تواقيع رؤساء أو عمداء لا مبرر لها. رابعاً: إن على الجامعات أن تؤهل أعضاءها لمواجهة التحدي الحالي والقادم في المشاركة البحثية وما تقتضيه من تفعيل لرسالتها الوطنية وتحقيق الاعتماد والجودة العلمية وذلك لن يتأتى إلا بإقامة دورات وورش إلزامية لجميع الحاصلين على الدكتوراه وكذلك من تنقص لديهم الخبرات والمهارات البحثية من قدامى الأساتذة وذلك في مجال مهارات البحث العلمي والمشاريع البحثية وأنظمة وقوانين الشراكات البحثية والمسئولية الاجتماعية للبحث العلمي. خامساً: إنه من المناسب وفي ضوء الزخم والدعم المالي والإداري من قبل الدولة أن يستحدث في وزارة التعليم العالي وكالة أو إدارة رئيسية للتنسيق وتسهيل الشراكات البحثية داخل الجامعات وبينها وبين بعضها وبينها وبين الشركات والوزارات والمصانع والجامعات الخارجية وبخاصة وأن معظم جامعاتنا المؤهلة لمثل هذه الشراكات هي جامعات حكومية وتتلقى كل ميزانياتها من الدولة. وبما أن الوزارة هي الجهة المشرفة والمسئولة عن جميع الجامعات فإنها هي الجهة المؤهلة لتغيير اتجاهات ومعتقدات القطاع الخاص والشركات والقطاعات المختلفة في التعاون والتعاقد مع الجامعات في المجال البحثي وما يتطلبه من ضمانات لحقوق جميع الأطراف. سادساً: إنه وفي ضوء الاهتمام المتسارع والبارز للبحث العلمي فإني أقترح إنشاء وكالة في وزارة التعليم العالي للبحث العلمي لإعطاء زخم ودعم أكثر للبحث العلمي وتفعيله وأن تفصل وكالات الجامعات للدراسات العليا والبحث العلمي إلى وكالة البحث العلمي فقط لإعطاء هذا الموضوع الأهمية التي يستحقها. سابعاً: إن وزارة الإعلام بكافة وسائلها معنية بتكثيف وإبراز إنجازات وخبرات وإبداعات الجامعات البحثية وتعزيز وتشجيع جميع الأطراف على الاستفادة فيما هو متاح في الجامعات من عقول وكفاءات بحثية. مما يثير التنافس ويشجع الباحثين والشركات على تبادل المعرفة والخبرات ونتائج الدراسات وإتاحتها لعموم من يعنيه الأمر. * * * بعض المراجع - عبدالحي، رمزي (2005م) التعليم العالي الإلكتروني: محدداته ومبرراته ووسائطه، الإسكندرية: دار الوفاء لدينا الطباعة والنشر. - ملحم: سامي (2005م) مناهج البحث في التربية وعلم النفس، الأردن، دار المسيرة للطباعة والنشر. - وزارة التعليم العالي (1427ه - 2006م) نظام مجلس التعليم العالي والجامعات ولوائحه، الرياض، مطابع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. - Bok, Derik (1982) Beyond the Ivory Tower: the Social Responsibilities of the Modern University . Cambridge. Massachusetts, Harvard University Pres. - www.kaust.edu.sa/research/global- partenership.aspx. وبالله التوفيق ،،، للتواصل مع الكاتب أو التعليق: [email protected]