كتبتُ أكثر من مرة أنتقد بعض الأساليب البالية في تكوين الرسالة الحكومية وغير الحكومية، بعضها يعرض تهميشاً صارخاً وصريحاً لقواعد اللغة العربية، بنصب المرفوع أو رفع المنصوب أو جر المجزوم، ناهيك عن التجاهل التقليدي لحرف العلة، (واواً) كان أو (ألفاً) أو (ياءً)، والبعض الآخر منها يستخدم أساليب تضج ركاكة في النص أو غموضاً في المعنى أو إسهاباً لما يجب الإيجاز فيه أو العكس، ونحو ذلك. * * * * اليوم.. أعود إلى الحديث عن لغة الرسائل، في بعض الأجهزة الحكومية والخاصة، مشيراً في هذا السياق إلى ظاهرة الإسراف في استخدام تركيبات من الألفاظ تبدو للقارئ مجتمعة أول وهلة وكأنها تعني شيئاً، فإذا أخضعت لمقياس العقل، وسياق النص، و(هندسة) اللغة.. لم يبد لها معنى يتفق عليه اثنان!! * * * * وأضرب لذلك مثلاً بعبارة مألوفة لا تكاد تخلو منها رسالة أو (شرح) على رسالة تتمحور حول كلمة (اللازم) وما يشتق منها أو يتفرع عنها! * تردك رسالة تتحدث عن أمر ما، وتتضمن حيثيات وأسباباً تتوقع أن تفضي إلى شيء معين يُفصح عن غرض صاحب الرسالة، ثم يلتقط بصرك في ذيل تلك الرسالة عبارة (للاطلاع وإكمال اللازم)، أو (آمل الاطلاع واتخاذ ما ترونه)، وقد ترد العبارة عارية من أي (محسنة جمالية) فتقول: (للاطلاع واتخاذ اللازم)، وأنت قد لا يهمك أن يستخدم المرسلُ كلمة (آمل) أو (أرجو) أو حتى (أتوسل) سابقة لكلمة (اللازم)، لكنك لا تنفكُّ تتساءل في عجب حول المقصود بعبارة (إكمال اللازم). * * * * هل تعني مثلاً (تفويضَك) باتخاذ مبادرة ما تتفق مع تقويمك أنت للموقف الذي تحدثت عنه الرسالة، بغض النظر عن الحيثيات التي بُنيتْ عليها تلك الرسالة؟ وإذا كان هذا المقصود، فلم لا يُفصَحُ عنه؟! * أم أنّ المقصود هو (توجيهك) بممارسة الصلاحيات الممنوحة لك بتطبيق ما لديك من نظم وتعليمات تُقنِّنُ الوضع، ما يعني أن المرسل لا يرغب إحراج نفسه أو إلزامك أنت باتخاذ إجراء مغاير للنظم والتعليمات، وإذا كان هذا هو القصد فلم لا يُفصَح عنه؟! * * * * وأحياناً يساورني هاجس بأن بعض القياديين في الإدارة، خصوصاً أولئك الملتصقين مباشرة بمصالح الناس، يوظفون تلك العبارات في مقام (الإشارات) أو (الكودز) المتعارف عليها سلفاً بينهم وبين من يليهم في سلم السلطة حين تمنحهم حرية الحركة بعيداً عن (الالتزام) بموقف معين يلتقي مع مصلحة صاحب المصلحة، ومن ثم، قد يكون المعنى المستتر وراء عبارة (لإكمال اللازم) واحداً من الأغراض التالية: (ادرسوا الطلب وارفعوا عنه) أو (اصرفوا النظر عنه) أو (طبقوا ما لديكم من تعليمات وإجراءات) أو (إنني محرج مع صاحب هذه الحاجة، فافعلوا أنتم ما ترون دون إخلال بالتعليمات) ونحو ذلك من أساليب (التصريف) لصاحب الحاجة! * إنني بحق لا أروم إقحام ذهن القارئ الكريم ووقته في صداع الألفاظ والمصطلحات التي (نتراشق) بها نحن معشر الإداريين بين وقت وآخر عبر اتصالات نرسمها على الورق على نحو لا يعني شيئاً عدا ما هو (متفق) عليه سلفاً مع من يلينا في سلم الاختصاص، وأحسب أنك عزيزي القارئ لا تملك الفرار منه أحياناً عند تعرضك لموقف ينتهي بعبارة (إكمال اللازم)، بل قد يُؤَرقُك التساؤل عمَّا إذا كان هذا (اللازم) معك أم ضدك، أم أنه لا يعدو أن يكون (إشارة) لتجميد الوضع حيناً من الوقت أو إلى لا حين!. * * * وبعد.. * فإنني لا أسخر من أساليب مراسلاتنا الإدارية، ولا أبرِّئ نفسي من الوقوع في بعض مزالقها، لكنني أدعو إلى تحرير اتصالنا الإداري من (طقوس) الحيرة والغموض، وتسمية المقاصد بغير مسمياتها، وبمعنى أكثر وضوحاً، أدعو إلى (تحرير) الرسالة الحكومية من (الأسلاك الشائكة) لألفاظ لا تسمن نفعاً ولا تشبع من جوع.. أدعو إلى (إلزام) من (يلزمه) الأمر باتخاذ (اللازم) لجعل هذا الاتصال أدق تعبيراً، وأجلى معنى وأكثر صدقاً في تصوير الغرض المراد، كيلا يعاني صاحب المصلحة محنة (التشرُّد) في دهاليز لغة البيروقراطية ومصطلحاتها!!