بعد أن أوشكت غزة أن تغوص في مستنقع الموت بسبب الحصار الرهيب، والمحكم من أطراف عديدة - شئنا ذلك أم أبينا -، وسارت الأوضاع من سيئ إلى أسوأ، وهي نتيجة طبيعية لما مهدت له إسرائيل منذ أن سيطرت حركة حماس على قطاع غزة. وعلى الرغم من أن إغلاق المعابر كان يعني إبادة بطيئة للفلسطينيين، حيث يتضورون جوعا وعجزا، ويفتقدون الحاجات الضرورية. أقول : على الرغم من ذلك كله، فقد ارتكبت إسرائيل ولا تزال ترتكب أيام أكبر مجزرة في الأراضي الفلسطينية منذ حرب عام 1967م، فسقط مئات الشهداء جراء القصف الإسرائيلي لقطاع غزة بعد فترة قصيرة من انتهاء الهدنة بين حماس وإسرائيل. ولأن جراح أمتنا لا تزال تنزف دما ومآسيها تتوالى وظلمتها تشتد، فإن الأمور تبدو هذه المرة مخيفة بعض الشيء. فأصحاب القرار يصمون أذانهم عن سماع نداء الإغاثة، والعالم يرى ما يحدث ويجري دون أن يستطيع إيقاف العدوان الهمجي، حتى من قبل المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وتعزيز السلام العالمي. وإسرائيل تقوم بحرب استئصالية للشعب الفلسطيني، من أجل نزع ثقة المقاومة في قطاع غزة وإنهائها عسكريا. لا يخالجني شك أن المذبحة الوحشية التي تمارسها الدولة العبرية، هو جزء من السلوك الصهيوني، القائم على قتل الشعب الفلسطيني وتشريده وتجويعه، تمهيدا لترحيلهم وتوطينهم خارج الأراضي الفلسطينية. كل ذلك مدعوم بغطاء أمريكي من قبل اللوبي اليهودي، لتبني الخيار العسكري. فإسرائيل لا تؤمن أبدا بالسلام، بل تؤمن بالقوة والإعداد العسكري والحرب، فهي تريد الأرض والسلام معا دون أن تتنازل عن أحدهما على حساب الآخر. أحسب أن أخطر ما في هذه المرحلة، هو الانقسام الحاصل بين الفلسطينيين بشتى اتجاهاتهم وتياراتهم، فأمرهم لا يفرح صديقا، بل يسر عدوا. وهم يتحملون وزر التفريط بهذه القضية، فالسلطة أصبحت سلطتين، والحكومة حكومتين. كما أظهرت هذه الأزمة عمق الشرخ بين الفصيلين الرئيسين في فلسطين (فتح وحماس). وكانت معجزة تاريخية، وفرصة ذهبية حينما نجح بوش بإحياء قاعدة (فرق تسد)، من أجل مشروع الشرق الأوسط الكبير. ليس من العقل ولا من الشرع أن يستمر الانقسام الفلسطيني بهذا الشكل، ففي استمراره غرس لليأس والإحباط في دواخلنا. ألم يخبرنا ربنا عن ذلك بقوله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). كما أن الصراع الدائر اليوم يستوجب إعادة اللحمة الوطنية الفلسطينية، ومعالجة الانقسام الداخلي لتغيير الواقع على الأرض، وهو أمر في غاية الأهمية. بل هو من الاستعداد وبذل الجهد والأخذ بالأسباب في مواجهة من لعنهم الله وغضب عليهم وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، ولعنته أنبيائهم كما لعنوا على لسان داود وعيسى بن مريم. ثم إن استمرار هذا القصف الهمجي يستلزم موقفا عربيا حازما للتدخل، ورد هذا العدوان الغاشم، واتخاذ الموقف والإجراءات الدولية اللازمة والرادعة بحق إسرائيل التي تستمر في انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني والعربي.