كنت أجلس في السيارة منتظرة حين طرقت علي شباك السيارة بقوة أفزعتني,, وأشارت بيدها أنها تطلب المساعدة,. ولأنني لم أفق بعد من حالة الخوف التي أصابتني على حين غرة فقد ظلت صورة المتسولين الأثرياء تلاحقني,. فهذا متسول يملك عمارات وآخر يملك أسطول سيارات وثالث تاجر عملة ورابع,, وظلت المتسولة القوية تقف أمامي تنظرني نظرات تحد غريبة وكأنها تقول (دافعة ,, دافعة,, وراك أنا لحد الصبح) حاولت أن أرفع يدي الفزعة بإشارة الرفض لكن نظراتها منعتني من ذلك وظلت تارة تطرق النافذة وتارة تنظرني وهي تمد يدها,. وابتلعت ريقي واستجمعت رباطة جأشي وأشرت لها إنني لا أحمل حقيبة ولا نقوداً,, وفاجأتني باستمرارها في الوقوف ونظراتها التي صارت تجول في السيارة بحثاً عن حقيبة,, وكأنها تقولعلينا !! والحقيقة لقد ارتبكت وكدت أحاول الهبوط من السيارة من الباب الآخر لكنني فكرت بهذه القامة العريضة وهذا الجسد الممتلئ وهاتين اليدين الغليظتين,. وفكرت أن أمنحها نقوداً,, لكنني قد اتفقت مع نفسي مسبقاً ألا أقع فريسة لعواطفي وضحية لمثل هؤلاء الذين يصرون على ابتزازنا عاطفياً عند إشارات المرور وفي مواقف انتظارنا وفي ذهابنا ومجيئنا حتى لايكادوا يحاصروننا حصاراً مبينا,. ** وأنا في غمرة الهواجس والمخاوف أنقذني منبه سيارة ليموزين وقف ليشير إليها,. فابتسمت,. واختلفت النظرات الآمرة الحادة إلى نظرات تفيض بالأمومة كان الفتى الذي يقود سيارة الليموزين أسمر نحيلاً يتراوح سنه بين العشرين وفيها. وركبت بالمعقد المجاور له وسارت السيارة قليلاً فتوقفت لتتجه نحوها فتاتان في الرابعة عشرة والثانية عشرة,. ثم أقبل طفلان اثنان يحملان علب مناديل وركبا السيارة وفوجئت أن السيارة تعود إلى الخلف وتتجه نحو السيارة التي اجلس فيها,. وظللت أنظر خلفي وأمامي ثم هاتفت زوجي واستجعلته الخروج وقرأت وردي وجهزت مبلغاً طيباً لالقي به على المرأة التي حتماً ستتجه نحوي ومعها معاونوها,. غير أن المرأة لم تترجل من مقعدها بل كانت تتحدث بيدها وتشير لابنتيها وابنيها ويغرق الجميع في حديث طويل دون حتى أن تلتفت نحوي أو تعير وجودي أدنى اهتمام وكأنما لم تقف أمامي وكأنما لم تمد يدها وكأنني لم أرفض مساعدتها ويبدو أنها بمجرد أن تنتهي من عملها تنسى كل عوالقه وآثاره ولا تعير من واجهتهم فيه أدنى أهمية إنها ولاشك موظفة مثالية تستطيع أن تعمر في الوظيفة طويلاً طالما أنها تنسى هموم العمل بمجرد الخروج منه! خرج الفتى من المطعم الذي أقف أمامه يحمل قراطيس تنم عن وجبات راقية دفع فيها ما لا يقل عن مائتي ريال. وركب سيارة الليموزين ورحلت العائلة لتتهنأ في وجبتها الدسمة. * حاولت أن أبتسم لكنني تذكرت كم مرة تألمت لمرأى هؤلاء وكنت أتمنى لو أخذت اسماءهم وقدمتهم للجمعيات الخيرية لتقوم بمساعدتهم وتسد عوزهم وتكفيهم مهانة السؤال,. آلمني انني آلمت نفسي ومشاعري غير مرة من أجلهم ومن أجل هذا العرق الذي يتفصد من جبينهم وهم يحتملون حرارة الشمس تكشيرة السائقين المتلطمين خلف مقاود سياراتهم لكنني الآن أسأل الله أولا لهم العافية من هذا البلاء الذي هم فيه,. ثم أسأل الجهات المختصة بالجدية في القضاء على أشكال التسول التي باتت تحرجنا في كل مكان,. ونحن قوم لنا قلوب أرق من النسيم في صباحه الباكر,, ونعرف كيف نصل بصدقاتنا وزكواتنا إلى من يستحقها بدون أن تثار حولنا القلاقل العاطفية في كل مكان,, ثم إننا في بلد خير يتنافس فيه الخيرون على البحث عن الفقراء والمحتاجين وثمة جهات عديدة تقدم الخدمات النفعية لمثل هؤلاء وتوصلهم إلى أهل الخير الذين يسعدون بوجود محتاج حقيقي يبلون ريقه وريق اطفاله,. فهل يجد اخواننا في مكاتب مكافحة التسول وينتشرون في شوارعنا وأسواقنا للقضاء على هذه الظاهرة المؤسفة: عنوان الكاتبة البريدي ص , ب 95662 الرياض 69411