مكة المكرمة بحرمها الشريف, وبمشاعرها المقدسة تمثل عمق الكون، لكونها بعداً جغرافيا عظيماً، بل لأنها الكون ذاته معنوياً، لا سيما في العالم الإسلامي الذي ينظر إليها دائماً بوصفها الرابط الوجداني الوحيد مع الدنيا بأسرها. (مكة عمق الكون) فضاء استلهامي لمعنى الحياة في نفوسنا، وهذا أمر لا جدال فيه، أو افترض، فالمشاعر المقدسة هذه الأيام تغص بالعديد من الأجناس، والأعراق، إلا أنه ورغم توحيد الإسلام لهم في الموقف، والملبس في هذه الشعيرة التي تأتي كل عام، إلا أن هناك من لا يعبأ بأي اشتراطات دينية، أو محاذير شرعية، أو صحية، لنراه وقد قدم للحج برؤية واحدة، وبهدف محدد غالبا ما يتلخص في مبدأ الارتزاق، والبحث عن أي منفعة دنيوية، وقد يأتي آخرون وبنواياهم (حج وأشياء أخرى) أو من قبيل (حج وحاجة). فالأمر قد لا يعدو كونه مجرد ممارسة شعيرة ما، ومن ثم كل ينصرف إلى حيث شأنه، وكأن هذه الرحلة المقدسة أمر قضي والسلام، بل أن هناك من يتكبد العناء من بلاد كثيرة وهو لا يلم بمفردات الدين، والعقيدة، جملة وتفصيلا، وهناك من يحاول الانتحار، لأنه يزعم أن الموت بمشاعر مكة، أو المدينة شهادة. مكةالمكرمة رمز حقيقي للأمة، ومنظر لا نكل أو نمل من تأمله، لتتوق إلى رؤية حج تشارك فيه الشخصيات المرموقة كالرياضيين، والمسرحيين، والمثقفين، والشعراء، والإعلاميين، والأطباء، والعلماء، ومتطوعي الأنشطة الخيرية، والدعوية، وكافة أقطاب العمل الجماهيري الذي يشد اهتمام المجتمع، ويهتم به، وذلك من أجل عكس صورة جيدة لفروض الحج من خلال تسليط الضوء الإعلامي على نماذج لحملات الحج التي لا غلو فيها، أو مبالغة، أو نظرة دنيوية كمخيمات عروض الثراء، ومزايدات الفخامة، وطبقات الV.I.P التي باتت تستعرض بذخها حتى في الحج، في وقت يعرف العالم أن الحج رسالة إنسانية سامية، تسلط الضوء على مبدأ الوحدة، والوقوف صفاً واحداً بين يدي الله. ولكي لا نعالج الأمر بما قد يتحول إلى ممارسة تشبه المراءاة يجدر بمن سبق لهم الحج أن يقدموا رؤية مناسبة وحضارية عن مكةالمكرمة، لنؤسس حقيقة أنها هي عمق الكون، فنقف جميعاً مع أهلها في هذه المناسبة، فلا أعظم من الحرم المكي، وأقدس من المشاعر (منى وعرفات ومزدلفة) وليس أجمل من ظهور رؤية إسلامية متفتحة بدلاً من ذلك التلقين، والإدعاء بأن فئة ما هي التي لديها العلم، ومن سواها لا شيء، فقد استمرت الأمور في حج كل عام على إبراز جانب واحد هو التمترس خلف العادة، وأداء الحركات، وإكمال النسك بطريقة تفتقد إلى الروحانية، ومعاني الوحدة، وذلك رغبة في الخلوص من الزحام، والفرار نحو أي جهة بعد هذه المناسبة، وكأنهم سيقوا إليها كرهاً. ومع اليقين بأن مشهد الحج الأكبر يجسد حضور مختلف الأجناس، إلا أن البعض لديهم رؤى ضعيفة وضبابية عن واجبات الحج، لكن من المهم الاعتناء بمن هم حديثو عهد بدخول الإسلام ليكونوا نواة يمكن لنا من خلالها عكس الفكرة النيرة عن الإسلام، لكي لا نجعله مجرد لقاء سنوي، ولنجعل من مكة (عمق الكون) حقيقة لا مراء فيها، أو ادعاء. [email protected]