جميعنا خجولون لكن بدرجات، أين توجد الحدود التي تفصل بين الخجل العادي والرهاب الاجتماعي الذي يشكل عائقاً حقيقياً أمام إقامة علاقات جيدة مع المحيط؟ وهل يمكن اللجوء إلى الأطباء لعلاج الخجل الزائد إذا دعت الحاجة؟,,, تعالوا لنلقي نظرة على الخجل والخجولين وعلى الجريئين وسواهم,. منذ زمن بعيد تحدث عنه هيبوقراط وسبقه إلى ذلك هوميروس في الأوديسة. إن الخجل رفيق قديم للإنسانية وهو سمة من سمات الطبع ألهمت شعراء وكتاباً كباراً وجعلتهم يخطون أروع الصفحات الفياضة بالمشاعر الصادقة، كما انه عنصر من عناصر الشخصية قديم قدم الإنسان نفسه، لكن النظرة إليه في يومنا هذا أخذت تصبح أكثر فأكثر كالنظرة إلى مرض عادي يتم علاجه إذ انه إعاقة ينبغي تصحيحها وهو أيضاً كابح غير مرغوب به لتفتح المواهب والشخصية, في بريطانيا العظمى وفي الولاياتالمتحدة حصل مؤخراً دواء لعلاج الخجل على ترخيص لطرحه في الأسواق وهو مخصص لعلاج الحصر الاجتماعي بالضبط، ويؤكد المختبر الصيدلاني الذي حضر هذا الدواء وهو مختبر سميث كلاين بحماس أن دواءه مخصص لعلاج الأشخاص الذين يعانون من رهاب اجتماعي لا لعلاج الأشخاص الخجولين خجلاً عادياً إذ انه ثمة فرق بين الاثنين. لكن جميع المحللين النفسيين الذين استشرناهم أكدوا لنا أنه ليس ثمة خط يفصل بوضوح بين المجموعة الأولى والمجموعة الثانية, كما أنه ليس ثمة ما يساعدنا على التمييز بدقة بين الخجل كمرض والخجل الزائد كسمة طبيعية من سمات الطبع. ويقول البروفسور ميشيل بوني رئيس قسم التحليل النفسي في مشفى روين في هذا الخصوص ان المسألة مسألة شدة، ويشير إلى دراسة بنيوية عن الخجل والرهاب الاجتماعي تظهر أنه لايوجد بينهما سوى فروق في الشدة لا في الطبيعة. الكلام أمام جمهرة من الناس، الوصول إلى قاعة اجتماع بعد وصول جميع المجتمعين وتحمل نظراتهم والاحمرار بصورة خارجة عن السيطرة، العجز عن تناول الطعام أو عن الكتابة أو عن المشي عند الإحساس بأن ثمة شخصا يراقبنا,. الامتناع عن طرح سؤال بسيط في مخزن في الجوار وتفضيل البحث المضني بين رفوف سوبر ماركت كبير لايعرفنا فيه أحد، الانزواء في البيت لتجنب رؤية أحد أو الكلام مع أحد ذلك هو الطيف الذي يغلف الخجل والرهاب الاجتماعي معاً، لكن إذا كان ستين في المئة من الفرنسيين يعتبرون أنفسهم خجولين ومنهم نسبة واحد وخمسين بالمئة خجل عادي وتسعة بالمئة خجل شديد وذلك حسب إحصائية أجرتها شركة IFOP لمجلة توب سانتي سنة 1992، فإن الدراسات الوبائية تظهر أن نسبة المصابين حقيقة بالرهاب الاجتماعي تتراوح بين اثنين وخمسة بالمئة وهي نسبة على قلتها تجعل هذا المرض يأتي بعد الاكتئاب على قائمة الأمراض النفسية الأكثر انتشاراً. مرض مشت موضته؟! وفي هذه الأيام، يشهد المحللون النفسيون تدفق أعداد كبيرة من مرضى الخجل إلى عياداتهم ومن المرجح أن عدداً منهم تغلبوا على حواجز كثيرة وبذلوا جهوداً جبارة كي لايغلقوا خط الهاتف قبل الحصول على موعد أو كي لا يعودوا أدراجهم من على عتبة غرفة الانتظار في عيادة المحلل النفسي, ويوضح المحللون أن هؤلاء المرضى يبدؤون حديثهم عادة بتقديم الاعتذارات لقدومهم إلى العيادة مفسرين ذلك بأن حالتهم ليست بالتأكيد ذات أهمية ولا تستدعي استشارة, وهم بذلك يوحون للمحلل النفسي بصورة غير مباشرة أن لا مصلحة له في علاجهم. يقول أحد الاشخاص الذين راجعوا عيادة محلل نفسي وهو يعاني من خجل شديد: لم يكن يخطر ببالي أن ارتباكي يمكن أن يوخذ بعين الاعتبار في الطب ولم أكن أظن أن له علاجا كما أنني لم أكن أتوقع أن طبيباً يمكن أن يرى في اضطرابات سلوكي البسيطة وهفواتي الشخصية شيئاً آخر سوى حالات روحية عابرة لبنت مدينة بسيطة وطائشة . من الصعب في هذه الظروف التمييز بين الخجل الطبيعي والخجل المرضي لأن حالات بعض الأشخاص الذين يراجعون عيادات التحليل النفسي لاتمثل في الحقيقة خجلاً شديداً وإنما هي بحث عن مقدرات أفضل كما يؤكد المحللون، يقول المحلل النفسي باتريك ليوان وهو رئيس قسم في مشفى فيناتين ينبغي الانتباه إلى طلبات العلاج التي ترد من أشخاص طبيعيين من عامة الشعب ينشدون الحصول على مقدرات شخصية أفضل ويجب في الوقت نفسه الحرص على عدم إهمال الحالات التي تسبب عذاباً حقيقياً لأصحابها,, ويرى كريستوف آندري وهو محلل نفسي في مشفى سانت آن في باريس واختصاصي في الرهاب بجميع أنواعه أن الفرق الحقيقي بين الخجل العادي الزائد والرهاب الاجتماعي يعرف من مقدار الإعاقة التي يسببها للشخص وتأثيرها على حياته ويقول إن حياة الخجول عبارة عن سلسلة من الفرص الضائعة والمهم في الأمر هو تقييم نسبة الاخفاقات التي يتعرض لها وإن كانت تقف عند حد يمكن قبوله في حياة الشخص. يضاف إلى ذلك أن الأشخاص الخجولين طفيفاً كان خجلهم أم شديداً ليسوا أشخاصاً غير متلائمين مع بيئاتهم على الأرجح، وإنما هم يعيشون توجس اللقاءات الأولى بيد أنه بقدر ماتزداد معرفتهم بشخص ما أو بوضع معين بقدر ما يخف توجسهم إزاءه. أما الشخص الذي يعاني من رهاب اجتماعي فيمكن ان يرى الشخص مرات عديدة دون أن يخف توجسه منه بل على العكس من ذلك إذ يتزايد قلقه خوفاً من أن ينكشف أمامه، إذ إن المصاب بالرهاب كما يقول المحللون النفسيون يعاني من نقص في احترام الذات ويشعر أنه شخص غير مثير للاهتمام بل وحتى مثير للسخرية. ونستطيع تلخيص ماسبق بالقول إن الخجول يشعر بالأمان إذا وجد نفسه في محيط مألوف بالنسبة له في حين أن الشخص الذي يعاني من الرهاب قد يشعر بالهلع عندما يجد نفسه أمام أشخاص تربطه بهم معرفة قديمة، ويؤكد المحللون النفسيون أن الحصر الاجتماعي خلافاً لأنواع الرهاب الأخرى يظهر جلياً مساوىء تأثير الشخص المصاب به على واقعه وتحويره فيه كما يظهر مساوىء تشاؤم الشخص المصاب به والافكار والقناعات السلبية التي يولدها عنده ، ولتوضيح ذلك نقول ان شخصاً مصاباً بالرهاب يستقل طائرة ويخشى سقوطها وتحطمها يقلل في قرارة نفسه من احتمال سقوطها ويقنع نفسه بأن لاخطر كبير على حياته في حين أن القلق الزائد عند شخص مصاب بالحصر الاجتماعي من التلعثم والارتجاف أمام رب عمله عندما يدعوه إلى مكتبه يسهل وقوعه في الارتباك والتلعثم فعلاً وبذلك تكون نبوءته السلبية تحققت وهذا مايسميه علماء التحليل النفسي ب النبوءات المتحققة ذاتياً . هل يمكن علاج الخجل الزائد؟ وبهدف تجنب الدخول في متاهات علاج مضنية أوخوفاً من افتضاح أمر مرضهم يراجع معظم الأشخاص الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي عيادات التحليل النفسي لطلب الاستشارة في إدمانهم على الكحول أو حول شعورهم بالاكتئاب لا من أجل تلقي العلاج للاضطراب الرئيسي الذي يعانون منه، فبالنسبة للإدمان على الكحول يميل عدد من المصابين بالرهاب إلى تعاطي الخمور من أجل اكتساب جرعات وهمية من الثقة والتغلب على خجلهم الزائد، أما بالنسبة للاكتئاب ففيه تكمن الحيرة ذاتها، إذ ان المحللون لم يتوصلوا بعد إلى حسم في مسألة العلاقة بين الاكتئاب والرهاب الاجتماعي ويتلخص الجدال في التساؤل التالي: هل يصبح عدد من المصابين بالاكتئاب نفورين من الآخرين مع مرور الوقت أم أن الأعراض الاكتئابية تصادف بصورة اكثر شيوعاً عند الأشخاص الذين يعانون من خجل شديد مقارنة مع سواهم من الاشخاص الذين يظهرون خجلاً عادياً، يميل معظم الاختصاصيين إلى ترجيح الفرضية الثانية على الرغم من عدم وجود دليل علمي يؤكدها, وفي ظل هذه الظروف يتبين أن التمييز بين الخجل البسيط والرهاب الخطر على الفرد ليس بالبساطة التي يمكن ان يتصورها البعض دائماً، ومن المؤكد أن هناك وسائل للتمييز بينها ومن هذه الوسائل استمارة أسئلة أعدها عالم النفس شيهان وهي تطرح سؤالا واحدا في ثلاثة مجالات على الشكل التالي: بسبب خجلي فإن عملي (حياتي الاجتماعية، حياتي الخاصة) تتعرض للاخفاق بصورة خفيفة ، بصورة واضحة، بصورة شديدة جداً، لاتتأثر على الإطلاق). وينبغي على المريض الإشارة إلى مدى تسبب الخجل في إفساد حياته في كل من الحقول السابقة بالاعتماد على سلم مؤلف من عشر درجات من واحد إلى عشرة وإذا ماحصل على سبع درجات فأكثر في كل من الحقول فإن خجله يعد مرضياً, لكن الذاتية تؤثر على النتائج التي تستخلص بالاعتماد على هذه الطريقة تأثيراً كبيراً مما دفع العلماء إلى انتقادها واتهامها بالافتقار إلى الموضوعية. ويصف مرضى الخجل أنفسهم غالباً بأنهم كانوا يعانون من خجل عادي ازدادت حدته مع مرور الوقت، ومن هؤلاء المرضى المريضة لورانس,, وهي الآن طبيبة اختصاصية في عيوب النطق ومعالجتها إذ تقول هذه الشابة الآتية من مكان بعيد في ريف مدينة ليون الفرنسية حيث كانت تعيش في عالم من العزلة والحرمان إنها سليلة عائلة يتصف أفرادها بالخجل الشديد وتضيف لورانس ان أهلها أناس منغلقون على أنفسهم وليس عندهم إلا عدد قليل جداً من الأصدقاء وانها تلقت تربية صارمة جداً من أم حريصة جداً. كل شيء بالنسبة للورانس كان يسير بصورة طبيعية حتى سن السابعة عشرة، إنها بالتأكيد تشكو من الخجل لكن لها صديقات وتذهب معهن إلى السنيما وتتمكن من تسلية نفسها على الرغم من الضيق الذي يصيبها في اللقاءات الأولى مع الغرباء، تقول لورانس أن للخجل أيضاً جانبا جيدا، فعندما يتوصل المرء إلى التغلب عليه يشعر بالفخر، بدأ كابوس لورانس في الثانوية وكان يتمثل في شخص مدرس اللغة الإسبانية الذي ترك في نفسها تأثيراً قوياً، وتعبر لورانس عن ذلك بقولها بت أحمرُّ من لاشيء، ولم يكن ذلك يحصل في حضوره فحسب بل وفي حضور المدرسين الآخرين ومع أفراد عائلتي ومع أصدقائي، وحتى في الشارع أصبحت أتجنب الناس وذلك لشعوري بأن الجميع ينظر إليّ، قد يبدو الأمر مثيراً للسخرية لكنه كان خارجاً عن إرادتي ولم أكن أستطيع مقاومته . عندما دخلت لورانس الجامعة كان عدم معرفة الطلاب ببعضهم البعض وكثرة الأعداد فيها من مصلحة لورانس، إذ انه ليس عليها أن توجه الكلام لأحد ولا أن تستمع لأحد، لكن المشكلة بالنسبة لها كانت تكمن في المواصلات التي تقلها إلى الجامعة، وقد كان ذلك بالنسبة للورانس عذابا يوميا, وعمدت لورانس في الجامعة شيئاً فشيئاً إلى رفض جميع الدعوات التي وجهت إليها من زملائها حتى أنها قطعت علاقاتها مع صديقات الطفولة، وكانت تختار فترات تدريبها في المشافي على ضوء معيار واحد هو أن يكون عدد الكادر العامل في المشفى قليلا جداً وذلك لتجنب رؤية أشخاص كثيرين وحضور اجتماعات تغص بأناس كثيرين. تقول لورانس ذات يوم كنت أستمع لمحاضرة في أحد المدرجات وكان البروفسور يتحدث عن مرض ال إيرتوفولي الذي يشكو أصحابه من الاحمرار الزائد، لقد ولد كلام البروفسور في نفسي ارتياحاً وقلقاً في الآن نفسه فارتحت لأنني علمت أن ما يضايقني في حياتي له ذكر في عالم الطب وتصنيف، وقلقت لأنني أيقنت بأنني مريضة,,. وبعد ذلك قررت لورانس أن تبدأ حملة لعلاج نفسها ولجأت إلى إجبار نفسها على أمور لم تكن تجرؤ على عملها ,, فاختارت هذه المرة لفترتها التدريبية مشفى كبيرا يتجاوز عدد الأشخاص الذين يحضرون اجتماعاته ثلاثين شخصاً وفي هذه المرحلة عانت لورانس من عذاب كبير وتشير إلى ذلك بقولها آثار الحساسية على جلدي كانت مخيفة جداً لدرجة أن زملائي في العمل ظنوا أني امرأة مقهورة وضحية لضرب يومي في بيتي,,. لكن لورانس صمدت وأعطاها صمودها دفعاً معنوياً قوياً فأصبحت تطبق بمفردها تقنيات العلاج الإدراكية السلوكية التي تقوم على إعادة تأهيل المريض وذلك لمواجهته بالحقيقة التي يخاف منها لكي يكتشف بنفسه أنها ليست مرعبة وأن لاداعي للخوف منها. وتعدد فلورانس بفخر الأمور التي استطاعت القيام بها بعدما بدأت بعلاج نفسها قائلة أعددت قائمة بالامور التي كانت تسبب أكبر ضيق لي، فأصبحت أرتدي ملابس حمراء وأضع أحمر شفاه وأحضر سهرات وأجلس على رأس الطاولة في غداء عائلتي وأتنزه في حيّنا حيث يعرفني معظم السكان، ثم بدأت لورانس مرحلة جديدة في العلاج تضمنت حضور جميع اجتماعات العمل التي تتضمن الكلام أمام غرباء وتمكنت أخيراً من الشفاء شبه التام وذلك بفضل مساعدة محلل نفسي وضع لها علاج مجموعة,و علاج المجموعة هذا هو نوع من المعالجة النفسية يقوم على انتقاء مجموعة أشخاص يعانون من الخجل ويلتقي هؤلاء الأشخاص دورياً في اجتماعات يشرح كل منهم فيها نقاط ضعفه والمواقف التي يشكو من الخجل فيها. ومن حالات الخجل العديدة التي نصادفها في مثل هذه الاجتماعات حالة مونيك التي تعمل موظفة في بنك، لقد اتخذت مونيك من ابنائها ذريعة لتبقى في المنزل ولا تذهب إلى عملها، لكنها في الحقيقة لم تكن تطيق أن تكتب الأوراق والمستندات تحت أنظار المراجعين لذلك فإن عمل موظفة كوة كان لايناسبها على الإطلاق. أطفال مونيك كبروا اليوم ولم يعودوا بحاجة لبقائها في المنزل لذلك فهي الآن تتبع علاجا لحالتها وهي بانزوائها في شرنقتها المنزلية وضعت مرضها في مرحلة سبات لفترة من الزمن ولكنها لم تشف منه أبداً. مشاهير خجولون! ويمكن ان نصادف حالات الخجل الشديد حتى في أوساط المشاهير، ومع أن الكثيرين ينفرون من التحدث عن مواقف مربكة حصلت في عملهم إلا أن ممثلي الكوميديا يعترفون بكل طيب خاطر بأنهم كثيراً ما يتعرضون لمثل تلك المواقف وهي تحمل في مضمونها شكلاً من أشكال الخجل الشديد لكنه بالتأكيد خجل عرضي إذ ان الضيق الذي تولده سرعان مايزول في اللحظة التي يقف فيها الممثل على خشبة العرض، وتروي فرانسوازمالي جوري بظرافة قصة التصادم بين شهرتها وخجلها فتقول: بفضل النجاح الذي حققه كتابها درع المترهبات دعيت إلى حفل عشاء أقيم على شرفها وفي هذا الحفل كان الجميع يوجه الكلام لفرانسواز التي لم تكن تقوى على قول شيء أي انها لشدة خجلها كانت شبه مشلولة، بعد ذلك وضع أمامها طبق زيتون فأخذت تأكل منه، حبة،حبتان، ثلاث,,, عشرة لكنها لم تكن تجرؤ على بصق النوى، وفي نهاية الأمر تجمعت اثنتا عشر نواة في فمها فلجأت إلى الطريق الأقصر، الأصعب، وذلك بأن ابتلعتها جميعاً. ويشير علماء النفس إلى أن مايزيد من تعقيد موضوع الخجل والرهاب الاجتماعي هو أن بعض الأشخاص الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي يميلون إلى اتباع سلوكيات لاتمت إلى سلوك الخجل بصلة، وهم من خلال ذلك يحاولون حماية أنفسهم بقناع من عنف أو من صمت أو من فظاظة أحياناً. وترى الدكتورة جيزيل جورج وهي محللة نفسية أخصائية في علاج الأطفال والمراهقين أن عند كل منا نوعا من الرهاب الاجتماعي المقنع. وخير مثال على حالة الأشخاص الذين يلجؤون لارتداء قناع يغطي رهابهم جرّاح في أحد المشافي يقضي وقته في سرد الفضائح وفي توجيه نظرات شهوانية للممرضات وكل ذلك من أجل أن يزيد تحصين القناع الذي يخفي به ضيقه فهو كما اكتشف المحللون فيما بعد تقع تحت سيطرة فكرة مفادها أن الآخرين يمكن أن يروه وهو يتصبب عرقاً، لذلك فقد قام علاجه على جعله يتجول في المخازن الكبيرة وفي الأماكن العامة بعد أن يرش وجهه ببخاخ ماء بحيث تبدو قطرات الماء تتصبب من جبينه إلى ذقنه وكأنها عرق, إن الفكرة الأساسية للمعالجات الإدراكية السلوكية التي تعد الأكثر فعالية في مكافحة الخجل المرضي هي نفسها دائماً وهي تقوم على مواجهة المريض بالحقائق التي تشكل مصدر قلق له بدل الانخراط في عمليات تجنب لا طائل منها وبذلك يكتشف المريض بنفسه قدرته على التحكم بالمواقف التي تقلقه ويعترف المحللون النفسيون بأن هذا العلاج ليس ناجعاً في جميع الحالات وتقول لورانس إنها الوحيدة التي شفيت من مجموعتها التي ضمت عشرة أشخاص. كما تتعرض المعالجات الإدراكية السلوكية لانتقادات علماء التحليل النفسي الذين يعيبون عليها الاهتمام بظواهر المرض وإهمال الأسباب التي تقف وراءه, وفي كل الأحوال تعد هذه المعالجات حديثة جداً إذ ان أول ورود لمفهوم الرهاب الاجتماعي في منشور يهتم بالتحليل النفسي ظهر سنة 1980 كما أن أول وصف سريري له، ظهر قبل ذلك وكان للبروفسور بييرجاني الذي تحدث منذ العام 1909 عن أنواع مختلفة من الرهاب شائعة جداً كرهاب الزواج ورهاب عدد من النماذج الاجتماعية كرهاب المدرس والمحاضر وخوف الخدم والبوابين ومن ناحية ا رى، مايزال الغموض يحيط بالكيفية التي يصبح بها الشخص خجولاً جداً ويشير الدكتور كريستوف آندري إلى أنه ثمة شك بوجود جانب وراثي في الإصابة بالرهاب الاجتماعي وبالخجل عموماً، لكنه يضيف انه حتى في حال وجود هذا الجانب فإنه بالإمكان مكافحته بالوقاية، وذلك بدفع الفرد منذ طفولته إلى ممارسة نشاطات اجتماعية تتضمن لقاءات مع المحيط وتفاعلا مع أشخاصه, ويمكن في هذا الخصوص أن يجعل الأهل من أنفسهم مثالاً يحتذى بالنسبة لأطفالهم في النشاط الاجتماعي وتوجيه الدعوات للأصدقاء والاحتكاك معهم وهم بذلك يعلمون أطفالهم على أن يكونوا متعاطفين وانفعاليين مع الآخرين لارهابيين منزوين. ويرى علماء النفس أن جوهر الحل يكمن في تجنب ظهور ذرية مصابة بالرهاب الاجتماعي نتيجة نمط الحياة الإنعزالية المنغلقة على الأسرة وتقول الدكتورة جيزيل جورج في هذا الخصوص ان مجاملة عدد من الأهالي لأطفالهم يمكن أن تقود إلى نتائج لاتحمد عقباها كأن يشجعوهم على الانعزال وذلك بالسماح لهم بعدم الذهاب إلى المدرسة بحجة أنهم يجدون راحة أكثر وأماناً أكبر في المنزل. الخجل وباء اجتماعي,,,! ليس الخجل الشديد مرضاً سريرياً فحسب، وإنما هو وباء اجتماعي أيضاً وتؤكد الدراسات الوبائية أن مابين 3 إلى 13 بالمئة من السكان في فرنسا مصابون بالحصر الاجتماعي وتمثل هذه النسبة مايتراوح بين مليون إلى سبعة ملايين شخص, وفي الولاياتالمتحدة يتم علاج عدة ملايين من الأطفال بدواء اسمه ريثالين ويصنف هذا الدواء النفسي في قائمة المواد المخدرة ويُعطى لضبط فرط النشاط عند الأطفال وهو يسمح بالتالي للمدرسين والأهل بالتعامل معهم في جو من الهدوء النسبي. هل سيلجأ الأطباء إلى علاج الأشخاص ذوي الشخصية عديمة الملامح بالأدوية التي تستخدم في تخفيض نشاط الأطفال كثيري الحركة نفسها؟ يبدو أن الجواب بالنفي القاطع إذ ان محاولات اعتبار الخجل كعنصر مستقل عن الشخصية بحسناته ومساوئه وليس كمرض كبقية الأمراض ليست بالعديدة كما أنها تجابه بالرفض من قبل المحللين النفسيين ويرى علماء النفس أن نمط الحياة الجديد يؤدي إلى زيادة عدد حالات الخجل الشديد ويرد ذلك إلى أن المرء أصبح في عصرنا هذا يجري اتصالات مع اشخاص كثيرين وغالباً ماتكون هذه الاتصالات سطحية في حين أن الشخص الخجول يحتاج إلى وقت طويل ليشعر بالأمان والارتياح مع الآخرين. سحر الخجل المنسي؟ ومايدعو للأسف، أن جميع الذين أدلوا بدلوهم في هذه المسألة، بدوا وكأنهم نسوا ما يتميز به الخجول من صفات حسنة، كالقدرة على الإصغاء وإمكانية المراقبة من بعيد التي يمنحها له الانزواء والمسافة التي تفصله عن الآخرين ناهيك عن الاحتشام والإخلاص الكبير لقضاياه وما إليها من مشتقات الخجل. ومن الطريف في الأمر أنه يوجد في الولاياتالمتحدة لوحات إعلانية مكتوب عليها أكثر من عشرة ملايين أمريكي يعانون من الحصر الاجتماعي والخبر السار هو أنه يمكن معالجة هذا المرض . وتقود هذه الحملة الجمعية الأمريكية للمحللين النفسيين ومنظمات اخرى ذات أهداف غير ربحية. وفي ختام حديثنا نذكر قول البروفسور ميشيل بوني الذي يعترف بأن الخجل يضع عائقاً لايستهان به أمام إقامة علاقات جيدة مع المحيط لكنه في الوقت نفسه يذكر بما للخجل من ميزات بقوله: تخيلوا معي عالماً لايوجد فيه خجل أو حدود للتصرف بحرية مع الآخرين,,, سيكون هذا العالم بالتأكيد أشبه بكابوس فالعفة والاحتشام وما إليها من مشتقات الخجل الأخرى تساهم أيما إسهام في جعل معاشرة الناس والتعامل معهم أمراً يمكن القيام به دون منغصات كثيرة,,,!