نشير بداية إلى مبدأين يترددان في المجال الإداري من حين لآخر أحدهما أن (الوظيفة تكليف لا تشريف) ومبدأ آخر وهو أن (الوظيفة أمانة وعطاء) وهما مبدآن يحملان معان كبيرة ودلالات واسعة، وقبل أن نحدد مدلولات هذين المبدأين نود التمهيد . لذلك بأن الوظيفة العامة على مر العصور قد مرت بالعديد من المراحل، فقد كانت الوظيفة تشغل بالبيع أو الهبة أو الإرث وذلك بسبب النظرة للوظيفة العامة في تلك الحقبة من الزمن، فالوظيفة في تلك المرحلة ليست من أجل تقديم الخدمة للمواطن والوطن بل إنها تعتبر وسام شرف لشاغلها لكونه هو الذي تقدم له الخدمة بدلاً من أن يقوم هو بخدمة الناس ويستثنى من تلك العصور التي وصلت فيه الوظيفة العامة إلى هذه المكانة المتدنية العصر الإسلامي الزاهر فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرص على تولية ذوي الكفاءة في المناصب العامة بدليل أنه امتنع عن تولية أبي ذر الغفاري مع مكانته لديه عليه السلام لإدراكه بقوة عاطفته وضعفه (كما سبق أن أشرنا) كما أن هذا المنهج النبوي قد طبق من قبل الخلفاء الراشدين إلى درجة أن هؤلاء الخلفاء كانوا يباشرون الخدمة العامة بأنفسهم للفقراء وكبار السن، بل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ذهب إلى ما يتجاوز ذلك عندما كان يبدي تخوفه من أن يكون قد قصر في تمهيد الطرقات للحيوان وكان يخشى من مساءلته يوم الحساب عن تقصيره في ذلك. إن هذا الأسلوب الإسلامي الراقي في بلورة مهام وواجبات الوظيفة العامة يعتبر سابقة وأساساً للمبدأين المعاصرين سالفي الذكر. وهما مبدآن يعنيان كما ذكرنا العديد من المدلولات والمعاني الكبيرة ومنها: - إن الوظيفة العامة خدمة وعطاء وليست سلعة أو مظهراً أو شكلاً أو (برستيج) كما يقال. - إن الوظيفة هي الأصل والأساس والموظف هو الفرع إذ لو لا وجود الوظيفة لم يوجد الموظف. - إن المزايا المادية والمعنوية للوظائف وليست للأشخاص فزيادة الراتب أو خفضه ووجود البدلات أو انعدامها مرتبط بمهام الوظيفة فبعض الوظائف تعتبر ذات أهمية أو ذات حساسية وتتطلب تأهيلاً معنياً مما يعني زيادة راتب شاغليها أو منحهم مزايا إضافية، وبعض الوظائف ذي طبيعة عادية لا تتطلب راتباً مميزاً أو مزايا أخرى. - إن للوظيفة مهام وواجبات مشتركة منها ما يخص الوطن بناءً ودفاعاً ومنها ما يخص المواطنين حماية ورعاية وخدمة متعددة كالتعليم والصحة والطرق والاتصالات والإعلام والعدل والماء والكهرباء ونحو ذلك. - إن الموظف حين يقدم الخدمة الوظيفية حسب متطلبات ومهام وظيفته سواء لوطنه أو لمجتمعه لا يقدمها تفضلا أو منّة منه بل إن واجبات الوظيفة التي يشغلها ويتقاضى راتبها ومزاياها تتطلب منه ذلك طبقاً لمبدأ (الأجر مقابل العمل). وقد اهتمت الأنظمة الوظيفية في بلادنا بهذين المبدأين وبالذات منذ صدور نظام الموظفين العام في بداية سنة (1391ه) حيث ركزت على الوظيفة من حيث التحديد الدقيق لواجباتها ومهامها والمؤهلات اللازمة لشغلها والحرص على أن يتم إحداثها في إطار الحاجة الفعلية فقد جعلت قواعد التصنيف الوظيفية هي الأساس والأصل حيث وضعت لها من المؤهلات والتدريب والخبرات اللازمة لشغلها بحيث يسعى من يرغب في شغلها إلى الحصول على تلك المتطلبات. كما أن حكومة بلادنا تؤكد على شغل الوظائف العامة بالأشخاص المعروف عنهم كفاءتهم وانضباطهم وحسن تعاملهم وأمانتهم وقصر المزايا الوظيفية من ترقية ونحوها على ذوي الكفاية من الموظفين، وهو دليل على تبني الدولة لمبدأ الجدارة في شغل الوظائف التي نصت عليه الأنظمة الوظيفية وعدم الاستثناء منه حسب الأوامر السامية رقم (7 - ب - 5359) في 6-4- 1420ه ورقم (163 - م) في 14-11-1416ه ورقم 21668 في 25-9-1399ه ورقم 6001 في 15-3-1402ه وقرار مجلس الخدمة المدنية رقم 689 في 28-5-1402ه. إذاً فإن هذين المبدأين الوظيفيين مستمدين من شريعتنا وموثقين في أنظمتنا ومؤيدين من حكومتنا مما يتطلب من الموظف القيام بواجبات كثيرة والالتزام بمتطلبات متعددة أوردتها المبادئ والقواعد الوظيفية ومنها ما يلي: - قيامه بأداء عمله بصفة أمينة ودقيقة ومخلصة. - شعوره بأن قيامه بعمله بالصفات المشار إليه واجباً عليه لقاء تقاضيه راتبه من ناحية وواجباً عليه كمساهمة منه في خدمة وطنه. - تفرغه لعمله واعتباره حرفته الأساسية والوحيدة وذلك بعدم جمعه بين وظيفتين أو ممارسته عملاً تجارياً أو مهنيا باستثناء المصرح له بممارسة مهنته خارج وقت الدوام (كما سبق أن ذكرنا) في موضوع سابق. - احترامه لرؤسائه وتنفيذ تعليماتهم بعد مشاركته في إبداء الرأي وتقديره لزملائه وتعاونه معهم لما فيه خدمة مصلحة العمل. - تعامله مع المراجعين بالأخلاق الفاضلة والاستقبال الجيد والمساواة وتحمله وصبره على ما يصدر من بعضهم من إلحاح أو عتاب أو نقد.