عندما يؤكد صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية على أن الأمن الفكري لا يقل عن الأمن العام، فإن تأكيده ينطلق من حقائق أمنية دامغة ويرتكز على قواعد علمية منطقية واقعية ثابتة مصادرها الخبرة العملية والمراس تبلورت كنتاج للمعرفة الحقيقية لما وقع وحدث من أحداث بعد الكشف عن أغوارها ومعرفة مصادرها وأسبارها والربط الفاعل بين كافة مصادرها وخيوطها وتطوراتها. المواطن رجل الأمن الأول هي الحقيقة الأخرى التي يؤكد عليها الأمير نايف باستمرار وتتعلق بدور المواطن السعودي أيا كانت مكانته وموقعه في البانوراما الاجتماعية والوظيفية السعودية. هذا ما أكدته الدراسات العلمية السياسية والأمنية التي تشير إلى أن أمن الفرد المواطن من أمن الجماعة أي من الأمن الوطني والعكس أيضا صحيح. إذ من المعروف في متون المعارف العلمية السياسية الحديثة أن الاستقرار الأمني الوطني ينعكس إيجابا على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وجميعها نتاج للاستقرار الفردي للفرد وللأسر بعد أن يشعر الجميع بالأمن والاستقرار والثقة في المجتمع وقيادته الحكيمة. من هنا فإن دور الجامعات لا يقل أهمية عن دور كافة المؤسسات العلمية التعليمية في تثبيت وزرع عملية التنشئة الوطنية الصحيحة بجميع أطيافها الاجتماعية والسياسية والنفسية في عقول الأجيال الوطنية الشابة، فالأجيال الصغيرة دائما ما تستجيب بسرعة وبسهولة لعمليات الإعداد والتهيئة النفسية والاجتماعية والأمنية والعلمية الصحيحة التي لا بد وأن تنطلق من حقائق المجتمع المجيدة بروافدها الدينية والتاريخية والحضارية والثقافية الأصيلة. وهنا يأتي دور الجامعات ليس وحسب في إيصال المعرفة الوطنية والعلمية الحقيقية للطلاب والطالبات وترسيخها في عقولهم بتنمية وتفعيل وعيهم الوطني، وإنما أيضا كما أشار الأمير نايف في إزالة الأفكار الشاذة والمنحرفة من نفوس البعض منهم ممن تأثروا في مرحلة ما من مراحل تنشئتهم الاجتماعية والعلمية بالأفكار الضالة التي تسيء للإسلام وللوطن. بمعنى أدق أن دور الجامعات دور رئيسي في الحفاظ على الأمن الوطني بقاعدته الأساسية الاستقرار الاجتماعي للفرد وللجماعة الذي عادة ما يرتهن لاستقرارهم النفسي الذي يعني ضرورة ربطه وتقويته بالعوامل والدوافع والمسببات العلمية المعلوماتية الإيجابية الصحيحة. هذا تحديدا ما يؤكد عليه علم النفس السياسي، الذي يشير إلى الفرق الكبير بين الإنسان المواطن الطبيعي المستقر الذي يعد نتاجاً لبيئة اجتماعية مستقرة يرفض الاستسلام أو الخضوع أو التجاوب مع المؤثرات والضغوط الضالة حتى وإن تعرض لها مباشرة، وبين نقيضه الإنسان غير الطبيعي المضطرب غير المستقر الذي يعد خامة طيعة ومطية سهلة للفكر المنحرف يمكن اعتلاؤها من قبل أعداء الوطن سواء من الخارج أو من الفئة الضالة من الداخل. فما حدث من انسياق البعض من شباب الوطن خلف الخطاب الضال الذي أفرزته زعامات وتنظيمات ضالة يتطلب من الجميع وقفة صريحة وجادة لمعالجة الأسباب والعوامل التي أدت إلى إنجرار بعض من شباب الوطن وراء ذلك الخطاب المنحرف. لذا فإن مواجهة الفكر الشاذ والضال بقوة الكلمة الصحيحة وبحقائق العلم والواقع بل وبتفعيل الحملات الإعلامية والتربوية والتعليمية المكثفة غدت استراتيجية وطنية متكاملة الحلقات يتم تفعيلها على أرض الواقع الوطني بصورة متواصلة لا تنقطع ولا تتقاعس منذ سنوات وستظل بمشيئة الله إلى سنوات طوال قادمة. بحكم المطلق فإن استراتيجية مواجهة الفكر الشاذ ومكافحته في حاجة ماسة لتضمينها لاستراتيجية وقائية علمية وتعليمية متكاملة وفاعلة لاستئصال الجراثيم الضالة، والأخيرة تتطلب بدورها إيجاد أمصال وطنية علمية مضادة لتلك الجراثيم الخطرة من خلال زرع المعلومة الوطنية والدينية الصحيحة في عقول الطلاب والطالبات وتضمينه لوعيهم، وأيضا بإجراء الدراسات والأبحاث العلمية التي تساعد على تحقيق تلك الاستراتيجية الوطنية. لذا غدا من الواجب العلمي الوطني تأصيل المفاهيم العلمية والدينية الصحيحة في ثقافة الطلاب والطالبات بداية من تقوية وتطوير ثقافة الأسرة الصغيرة والعائلة الممتدة بأهمية الوطن وضرورة بل وحتمية الحفاظ على أمنه واستقراره، مرورا ببناء قاعدة ثقافية وطنية جديدة لثقافة التربية والتعليم الوطنية من مراحل الصفوف الأولى تركز على منجزات الوطن وأهمية أمنه واستقراره لضمان استمرارية الاستقرار الوطني، ونهاية بتعميق جذور ثقافة الحوار والانفتاح الوطني على الذات وعلى العالم والمرونة الوطنية في التعامل والتفاعل مع الشعوب العالمية.