لا شك أن الشبكة العنكبوتية إنجاز عظيم من إنجازات العقل البشري واكتشاف باهر من الاكتشافات الحديثة التي هدى الله البشرية إليها لتيسير التواصل الإنساني وتبادل المعلومات والخبرات بسهولة بين أبناء المعمورة. وإذا كانت الدول المتقدمة قد استفادت من هذا الاكتشاف وسخرته لما يعود بالنفع على شعوبها، ويحقق أهدافها الساعية نحو نشر ثقافتها وتقديم حضارتها وإنجازاتها للعالم بكفاءة عالية، فإن هذه الوسيلة العظيمة لم تستخدم بالكفاءة نفسها لدى الشعوب المتخلفة.. ودون أن نهضم حق بعض المواقع الإليكترونية الرصينة في بلادنا؛ فإن الشبكة العنكبوتية لدينا تعج بالكثير من المواقع التي تكرس التخلف، وتزرع الضياع من خلال استخدامها لنشر توافه الأمور، سواء لنشر الرذيلة، أو لترسيخ ما يشغل الأجيال الناشئة في أمور الجاهلية وخصوصاً إثارة النعرات والعصبيات الإقليمية والقبلية، وتمجيد الأنا الذاتية، وإشغال أبناء الأمة عن أسباب التفاخر الحقيقية كالتسابق على الاختراعات النافعة، وتمجيد الإنجازات الحقيقية إلى المفاخرات المنبوذة.. إن إيجاد مواقع للتعريف بالقرية أو القبيلة والتواصل بين أبنائها ليس أمراً معيباً في حد ذاته، لكن المعيب والمثير للحزن والانزعاج أن تكثر المواقع القبلية المبنية على روح التفاخر، والمؤسسة على عدم أهلية القائمين عليها. إن أول ما يطالعك في كثير من تلك المواقع المخجلة ظاهرة الأسماء المستعارة، وهذه الظاهرة تحتاج إلى مقال لوحدها، ولكن لا مانع أن أشير إلى بعض المآخذ عليها، فكثير من العقلاء يتفقون على أن استخدام الأسماء المستعارة يدل على عدم الثقة، ويوحي بعدم القدرة على المواجهة وتحمل مسؤولية المادة المنشورة. كما يؤخذ على استعمال الأسماء المستعارة المغالاة فيها وتفخيم صاحب الاسم المستعار لنفسه، فنجده يسمي نفسه بألقاب تمجيدية رنانة توحي له بالتفوق والتعالي والشجاعة والكرم والسيادة ونحو ذلك، ولا أريد أن أضرب أمثلة لذلك خوفاً من اتهامي باستقصاد أسماء معينة. كما أن من أهم المآخذ على تلك المواقع نشر القصص والقصائد المبالغ فيها، المثيرة للمفاخرات والنعرات والحساسيات التي أمر الإسلام بعدم إثارتها، وفوق ذلك أيضاً عدم توثيق تلك القصص والتحقق من صحتها. ومما يؤسف له أن غالبية أصحاب تلك الأسماء المستعارة لا يملكون الأهلية للكتابة في المواضيع التاريخية والأنساب، ولا يستطيعون التحقق من صحة المعلومات التي ينقلونها من بعض كتب الأنساب أو المواقع الأخرى. أما داهية الدواهي فهي السطو على جهود الآخرين، حيث ينسخ العضو صفحات كاملة من مصادر أخرى، وينقلها إلى موقعه دون ذكر مصادر المعلومات المنقولة حتى وإن ذيلت النصوص المنقولة بعبارة: (منقول) في آخرها. ومع ذلك فما أن ينقل أحدهم نصاً طويلاً أو قصيراً حتى تتوالى عليه عبارات الشكر والترحيب، ويتسابقون إلى عبارة: (مشكور على هذه المعلومات القيمة، وما قصرت يا عَلاَّمة الدهر!). ولا أحد منهم يتساءل عن صحة المعلومة، ولا يعيب عليه عدم ذكر مصدرها، لأن فاقد الشيء لا يعطيه!. أما ما يثير الشفقة والضحك فهو أن يستجدي العضو المنضم إلى سفينة المبحرين في بحر الهراء، الترحيب بحضرته، ليدشن دخوله إلى عالم الباحثين عن التطبيل الزائف، غير مدركٍ أن من لا تسبقه سمعته وتجعل الآخرين يرحبون به دون استجداء، لا يستحق الترحيب!. لذلك فإنه عندما يتصل بي بعض الإخوة طالبين الاستفسار عن بعض المعلومات التاريخية في الموقع الفلاني، أو طالبين مني التعليق عليها، فأجيبهم بأنني لا أجد الوقت لمتابعة ما ينشر في تلك المواقع، وأنصحهم أيضاً بعدم إضاعة أوقاتهم وإزعاج أفكارهم بذلك الهراء، وبتلك الملاسنات السوقية.