مؤخراً أتيح لي أن أشاهد المذيع المصري محمود سعد وهو يقدم برنامجين مختلفين عبر فضائيتين عربيتين إحداهما حكومية وهي الفضائية المصرية، والأخرى أهلية وهي محطة الMBC. أصابني هذا المذيع ولعله اليوم يعتبر من أفضل المذيعين العرب الذين يجيدون إدارة الحوار التلفزيوني أقول أصابني بحيرة غريبة إزاء ما يقدمه على الشاشة فحين يظهر على الفضائية المصرية مقدماً لبرنامج (البيت بيتك) أجده مذيعاً رائعاً متمكناً من أدواته فهو يحسن دون شك اختيار موضوعاته وكذلك يحسن اختيار ضيوفه وبعيداً عن المجاملة وبكل أمانة وتجرد أقول إن هذا البرنامج الذي تقدمه الفضائية المصرية أصبح من أفضل البرامج العربية التي يتابعها المواطن العربي وبالذات الحلقة التي يقدمها محمود سعد مساء كل أربعاء حيث يلاحظ المشاهد وجود تفاعل إيجابي بين البرنامج مع مشاكل الناس في مصر عبر التقارير التي يلتقي فيها البرنامج بالمواطنين أصحاب القضية ثم الالتقاء بعد ذلك بالمسؤولين المعنيين بالموضوع وكثيراً ما كان المذيع محمود سعد يواجه المسؤولين ويحرجهم ويكشف إخفاقهم في التعامل الجدي مع هذه الأحداث ثم تأتي بعد ذلك الفقرة المخصصة للالتقاء بالداعية الشهير الشيخ خالد الجندي حيث يستمتع المشاهد بلقاء ديني وفكري جميل في أجواء يسودها الود والابتسام وهذه الفقرة أعتقد أنها رفعت من أسهم البرنامج بشكل كبير لدى المشاهد العربي ثم تأتي الفقرة الأخيرة من البرنامج يتم الالتقاء فيها بنجوم الفن العربي. هذا التميز وهذا التفوق في طرح مواضيع البرنامج وبالتالي هذا الانطباع الجيد الذي يتكون لدى المشاهد العربي سرعان ما يفسده محمود سعد بنفسه وذلك حينما يقدم برنامجاً ضعيفاً في الMBC بعنوان (زائر الليل) في هذا البرنامج يستضيف محمود سعد كاتب السيناريو الشهير وحيد حامد وكنت أمني نفسي بلقاء فكري وثقافي رائع مع شخصية ثقافية بهذه القامة كوحيد حامد إلا أن ظني سرعان ما خاب فقد ذهب وقت البرنامج بكامله في أسئلة عبثية عن الليل. ماذا يمثل الليل في حياة وحيد حامد.. ماذا يحب في الليل.. وهل يكتب في الليل.. إلخ. والحصيلة بعد ساعة من الزمن تقريباً لا شيء سوى ضياع الوقت الذي كان أجدر بي أن أقضيه في صحبة كتاب جميل يحترم عقلي ووقتي. هذه الازدواجية التي يمارسها بعض الإعلاميين العرب حين يتعاملون مع قناتهم المحلية وحين يتعاملون مع القنوات الأخرى تجعلني أتساءل: ما الذي يدفع الإعلامي العربي إلى انتهاج مثل هذا المسلك؟ ومن المسؤول عن ذلك؟ وكيف يمكن الحد من هذه الممارسة؟ حين يقدم محمود سعد برنامجاً ناجحاً ومحترماً مثل برنامج (البيت بيتك) في الفضائية المصرية ثم بعد ذلك لا يتردد ولا يجد حرجاً في تقديم برنامج متواضع المستوى مثل برنامج (زائر الليل) في فضائية الMBC. ألا يكرس مثل هذا النهج الانطباع الذي يحمله كثير من المشاهدين العرب بأن بعض الإعلاميين العرب يمارس ازدواجية غريبة في عمله فهو حينما يقدم برنامجاً في محطته المحلية فهو يحرص على الإجادة وحينما يقدم برنامجاً لقنوات أخرى تجده لا يهتم بل إنه يسهل الأمر فيقدم أي موضوع ولديه قناعة غريبة بأن هؤلاء الناس لا يفهمون وبأنهم سيعرضون هذا البرنامج مهما كان مستواه. وأعجب للMBC كيف رضت بعرض هذا البرنامج وهو بهذا الأسلوب الركيك في الوقت الذي بدأت فيه هذه المحطة تكتسب وضعاً مميزاً لدى المشاهد العربي وذلك بتفردها وتميزها فيما تقدمه من برامج وأعمال درامية إلا أنني أعتقد أن هذه المحطة ستفقد هذا الاهتمام إذا ما استمرت في تقديم مثل هذه البرامج الضعيفة. أخيراً وبقدر قناعتي بأن المذيع الجيد عملة نادرة ولا شك بأن محمود سعد هو أحد هؤلاء المذيعين المتميزين فهو مذيع يملك حضوراً جيداً وقبولاً حسناً عند المشاهدين فضلاً عن ثقافة عريضة تمكنه من إجراء حوارات ذكية مع شرائح اجتماعية مختلفة بقدر أعلى بأن يحرص على تجنب الازدواجية فيما يقدمه من أعمال لتحل محلها عقلية تحترم نفسها وتحترم الجمهور الذي تخاطبه.