الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، وبعد: يقول الله عز وجل عن بني إسرائيل :فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين, وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً فانظر كيف كان عاقبة المفسدين , ففي هاتين الآيتين الكريمتين يبين الله عز وجل حال بني إسرائيل عندما أتاهم موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ومعه الآيات البينات والدلائل الواضحات، التي تدل على صدق رسالته، وصحة نبوته، ولكنهم لم يعترفوا به ولا برسالته ظاهراً، فجحدوا وعاندوا ظلما واستكبارا كما ذكر الله عز وجل في الآيتين الكريمتين, وقد سماهم بالمفسدين، يجب على المسلم الحذر من الاتصاف بها، بل يجب عليه عندما يتبين له الحق أن ينقاد له ويتقبله بصدر رحب، وذلك هو المنهج السليم للمسلم في حياته، لا يؤثر هوى، ولا يتأثر بشهوة إنما شعاره: الحق أحق أن يتبع. وعدم قبول الحق هو منهج المتكبرين، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا، فقال صلى الله عليه وسلم إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس , ومعنى بطر الحق أي رد الحق. إن قبول الحق والرجوع إليه، فضيلة دعا إليها الإسلام، وحث على الالتزام بها، بل أمر بقتال من خرج عن هذه الفضيلة، يقول عز وجل:وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين . وفي الحديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرجوع إلى الأفضل والأحسن ولو نتج عن ذلك الحنث في القسم وهل هناك أفضل وأحسن من الحق؟ ففي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول النبي صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين فرأى خيراً منها، فليكفر عن يمينه وليفعل وفي حديث آخر متفق عليه قال صلى الله عليه وسلم وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وآت الذي هو خير . إن الرجوع للحق، وعدم التمادي بالباطل، سمة من سمات منهج أهل السنة والجماعة، وعلامة يعرف بها صاحب المنهج السليم من غيره، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، فقصة أبي ذر الغفاري وبلال رضي الله عنهما التي لا تخفى على كثير من المسلمين، تبين كيف ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على ذلك المنهج الفريد من نوعه، وملخص القصة أنه حصل بينهما مغاضبة، فعير أبو ذر رضي الله عنه بلالاً بأمه فقال: ياابن السوداء! فشكاه بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأبي ذر طف الكيل! أتعيره بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية فندم أبو ذر لما كان منه،ورجع إلى الحق وأعلن توبته، حتى أنه أمر بلالاً أن يطأ بقدمه على عنقه استرضاء له لما عيره به. نعم، من الناس من تأخذه العزة بالإثم، فيتمادى في باطله، ويستمر في ضلاله، فيسلك مسلك أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءه صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت قبيل خروج روحه بلحظات فقال له صلى الله عليه وسلم : يا عم! قل لا إله إلا الله أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة فلما رأى حرصه على إسلامه قال له : يابن أخي: لولا مخافة قريش أني إنما قلتها جزعاً من الموت لقلتها, لا أقولها إلا لأسرك بها!! ومات أبو طالب على ملة عبدالمطلب وأنزل الله فيه قوله تعالى إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء . وكذلك أبو جهل حينما جاءه رجل من قومه، بعد أن سمعا شيئا من القرآن الكريم بتلاوة النبي صلى الله عليه وسلم، فتأثرا، فقال له الرجل: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا حتى إذا تحاذينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذا؟ والله لا نؤمن به أبداً! ولا نصدقه! فصده عن التصديق بالرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه، العصبية الجاهلية والحقد الدفين في نفسه، فرفض الحق ورده والعياذ بالله. فحري بمن أراد الله والدار الآخرة أن يكون رجاعاً إلى الحق تواقاً إليه، وأن يكون الحق ضالته المنشودة وألا يخضع لهوى ولا ينقاد لشهوة، وألا تأخذه العزة في الإثم فيكون مصيره إلى جهنم وبئس المصير. اللهم إنا نسألك هداك، والعمل على رضاك، واتباع نبيك ومصطفاك، ورحمتك يا أرحم الراحمين.