أخبار، تحقيقات، عناوين، كلها لا بد أن تمر قبل النشر في الصحيفة أو أي مطبوعة على طابور طويل من التنقيح وإعادة الصياغة لإجازتها ليطلق عليها عمل صحافي. إعادة الصياغة إصطلاح صحفي يستعمل حين يرد موضوع إلى الصحيفة ويفتقر إلى أسلوب صحافي، ومهنية، فيقال إن هذا الموضوع يحتاج إعادة صياغة، ويقوم على هذا العمل صحافي محترف، له بالضرورة باع طويل وخبرة في هذه الصياغة ليصل بالأسلوب إلى غاية الروعة من وجهة نظره ومن وجهة نظر سياسة الجريدة التي لا بد وأن يكون لها نظام متبع في صياغتها، والصحف العالمية تتبع قانوناً صارماً في صياغة أخبارها ومختلف موضوعاتها فتقوم بطباعة كتيب صغير تسميه Text Book وتقوم بتوزيعه على جميع صانعي الجريدة ليتبعوه كدستور لكل ما يكتب على صفحاتها. (إعادة الصياغة) بهذا المفهوم عمل تحتاجه الثقافة العربية بوجه عام والإعلامية بصورة خاصة، فحين يتفرغ الإعلام العربي من المحيط إلى الخليج لوزيرة التنمية المحلية في المغرب نزهة الصقلي التي أشيع عنها خلال الأيام القليلة الفائتة مطالبتها بمنع أذان الفجر حرصاً على راحة السائحين، واتجهت سهام الاتهام نحوها حتى صدرت أحاديث عن البعض عبر الإنترنت وتناقلتها المواقع الإلكترونية وكثير من الصحف المغربية، كلها تدعو إلى استقالتها حتى وإن تراجعت، وعلى الرغم من نفي الصقلي لهذه الأقوال، وقولها إنه لا يمكن لوزير عربي مسلم أن يطالب بمثل هذا المطلب إلا أن الاتهامات لم تمت بتصريحاتها بل استمرت وازدادت نارها اشتعالاً، ونالت هذه النيران من سمعة الوزيرة على الرغم من نفيها لما تردد عنها! ومن مصر انطلقت الصحافية المصرية بسنت رشاد بكتابها المثير للضجة والذي جاء تحت عنوان (الحب والجنس في حياة النبي)، ورغم عنوانه الصادم إلا أنه عرض في معرض القاهرة الدولي للكتاب الموسم الفائت، ولم يثر الضجة إلا بعد مصادرته، لتنهال القنوات الفضائية بفتاوى إهدار دمها، وتكفيرها، وقتلها حتى وإن تابت! وبعيداً عن تناول الكتاب تماماً وما يحمله، إلا أن العالم العربي بإعلامه المكتوب والمسموع والمرئي انكب على مثل هذه القضايا في حين يتفرغ الغرب الآن لمشكلات حياتية حقيقية بعيداً عن مثل هذه الفروع التي تنال من شخوص هنا وآخرين هناك بهدف التشهير حيناً والإلهاء حيناً آخر، مشكلات وجدل يدور حول ما ينشر هنا وهناك لإلهاء الجماهير العربية عن مشكلاتها الداخلية من فقر وبطالة وعنوسة وأطفال شوارع... مشكلات كثيرة تنخر في قلب المجتمعات العربية لا يلتفت إليها بالحلول بقدر ما يلتفت إليها بالتعتيم عن طريق صناعة أبطال من ورق للإلهاء فقط، وتارة أخرى عن طريق الحديث عن ارتفاع أعداد القتلى الرهيب الذي يظهر يومياً على شاشات الفضائيات في مناطق مختلفة من العالم، أو بصناعة أكاذيب عن مسؤولين، وكتاب، وأخبار عن تغييرات وزارية هنا وأخرى هناك، والمشكلات مستمرة في تضخمها اليومي من دون تقديم الحلول الناجحة، أو التي تحاول النجاح، فالانزلاق في التعبير أحياناً يؤدي إلى المهالك التي يتصيدها البعض للنيل من آخرين، والعالم من حولنا يتقدم ويفكر في مشكلات مصيرية حقيقية تهدد إنسانية الشرق الأوسط والعالم أجمع، ونحن لا نزال قابعين ننبش فيما لا يفيد من دون علم ومن دون روية أو تحقق مما ينشر ويذاع. العالم العربي الآن برمته يحتاج إلى إعادة صياغة فكرية أو تدوير لما فيه لإلقاء الفاسد من الأفكار في سلة المهملات، والاحتفاظ بالباقي للعمل على تطويره والوصول به إلى أقصى درجات سلم النجاح، بعيداً عن التسفيه من منجزات الآخرين، أو إلهاء الشعوب، أو حتى فتاوى القتل التي تبيعها الدكاكين الفضائية من دون حسيب ولا رقيب، من دون مساءلة لمن تصدر في حقه هذه الفتاوى، لتتساوى هذه القنوات مع التي تبث فضاءها من أجل ترويج الخرافة والشعوذة. إعادة صياغة الأفكار بما يتلاءم ومنظومة الفكر العالمية المستمرة في ديمومتها مطلب رئيس من أجل الخروج من سياقات معرفية سجنا بها أنفسنا ونظنها هي الأمثل، لكن بقليل من التفكير وإعمال العقل ربما تتغير الرؤية.