للتاريخ جاذبيته، وللسير قراؤها، وللبطولات عشاقها، ولولا هذه الجواذب لما خلدت ملاحم، ولا صُنعت حياة، والناس حيال التاريخ بين متلق مستوعب أحداثه، وآخر يتلقاه كمجرد معلومات، يوظفها في موقف معين، وفي ظرف محدد. * سلمان بن عبدالعزيز ارتبط بالتاريخ، وتبلور في عقليته لأكثر من سبب، ولأكثر من هدف، يشترك مع سائر الرواة في بعضها، ويبقى بعضها في إطار خصوصياته. * كتب (الأمير) أو حاضر كشاهد على أحداث العصر في زمن والده من ناحية، وكإحساس منه بأنه صانع تاريخ من ناحية أخرى، ولكل من السببين وجاهته ومنطقيته عند الجميع. * من يتحدث عن تاريخ أو يكتبه تحيط به مجموعة من العوامل تملي عليه الإقدام تارة، أو الإحجام تارة أخرى، حينما يتحدث (سلمان) عن التاريخ بشكل عام، وعن (والده) بشكل خاص يتكئ على موروث تاريخ لأسرة (آل سعود) في المراحل الثلاث للدولة السعودية، وعلى هذا فهو ينطلق من كون الأسرة لها تاريخ جاذب عبر سنوات عدة، ولعل هذا هو ما سهل عليه البحث والوقوف على حقيقة الحدث أكثر من غيره، إما بالرواية الشفوية للتاريخ، أو المكتوب عنه. * بلا شك، التاريخ حافل بالإنجازات والعطاءات، وكما يضم في زواياه مواقف متباينة، فيها النجاح، وفي بعض مسالكها التعثر، تبقى هذه وتلك أمانة في أعناقنا للأجيال، فالكشف عن سير العظماء بأوجهها المختلفة مسؤولية كبرى، وأمانة عظمى، قل أن يلتفت لها باحث بإنصاف. * تاريخ الملك (عبدالعزيز) - رحمه الله - تأصل في مناهجنا، وفي كافة مظان ثقافتنا، بل تجاوز تخوم المكان، وسيتجاوز الزمان، لكن في تقديري أن الحديث عن الإنجازات، والفتوحات، والتنظيمات سهل ميسور تترك لأي باحث في أي موقع. الأصعب والأهم هو ما حاول (الأمير) ملامسته بعمق، وجلاه بحكمة، وهو الكامن في تحليل المواقف والأحداث، وكيف كانت (العبقرية) تتعامل معها وتتصرف. هذه الملامح هي التي في الحقيقة يحتاج إليها الإنسان، وهو يتعامل مع أحداث الحياة اليومية من حوله، أو ما قد يمر به في المستقبل. إذن هذه جوانب تحتاج إلى مزيد من الكشف، ممن التصق بحياة المؤرخ عنه، ومن حمل أمانة نشر التاريخ في أكثر من مؤسسة، وفي أكثر من منتدى. * كثيرون كتبوا بموضوعية عن سير الأبطال وملاحم العظماء الذين غيروا، أو حاولوا تغيير مجرى التاريخ، لكن لا نجد إلا القليل ممن حاولوا تحليل سلوك الشخصيات، وتتبعوا خيوطها الدقيقة. مع الملك (عبدالعزيز) حاول (الريحاني)، ولامس بعض الجوانب، واليوم يأتي (سلمان)، وفي أكثر من مناسبة يستلفت الدارسين ويستحثهم على البحث والاستقصاء خدمة لهذا الكيان العظيم. * في الحقيقة سيظل تحليل سلوك الملك (عبدالعزيز) في كثير من كلماته، ووصاياه، وتصرفاته سؤالاً عريضاً لن يجيب عنه، أو يتصدى له في ظني سوى الأمير (سلمان) أحد صناع التاريخ المعاصر، والمستفيد من حوادثه وأحداثه. والتاريخ لم يخلُ، ولن يخلو ممن ينبشون أمجاده، ويطرحونها بشفافية تامة لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.