يحدثنا التاريخ الثقافي كثيرا عن مواقف لابد من ذكرها عبر الوسائل المعنوية ومن ذلك ايراد قصص حدثت فعلاً، فمن ذلك وقوع شاعر في اشكالية ثقافية في قومه حيث كان في سلوكه مثالياً منذ صباه يسلك حياة قائمة على النظر بفوقية في الخيال وارتفاع في المعالي. ولذلك كان لا يشارك في المعارك مع قومه بل كان سلمياً للغاية يشعر بأمل في حياته، ويتطلع الى الافضل في معاشه لكن باعتدال في تصرفاته وتوسط في سلوكه وفي يوم من الايام خرجت جموع من قومه الى ساحة الوغى حاملاً كل فرد السلاح الابيض وشاعرا القوم يرفع عقيرته. وعليَّ ان اسعى وليس عليَّ ادراك النجاح واذا تشاجرت الرماح فان اقلامي رماحي موقف آخر دونه تاريخنا عن نهاية ابي الطيب المتنبي الشاعر المعروف عندما كمن له بعض الموالي في السواد العراقي، وكان معه غلامه فحاول الشاعر ان يهرب عن العراك فقال له غلامه ألست القائل: واذا لم يكن من الموت بد فمن العجز ان تموت جبانا *** قال التاريخ فقاوم المتنبي حتى لقي حتفه ومما قيل بعض السير ان احد الخلفاء ادركته الوفاة ونصب ابنه بالملك فقال احد الشعراء معزياً مهنئاً في ذات الوقت: هناء محاذاك العزاء والمقدما فما عبس المحزون حتى تبسما *** وقال احدهم: لا خير في السرف فقيل له: لا سرف في الخير فتأمل المنطق البلاغي! وقال زهير بن ابي سلمى: ومن لا يكرم نفسه لا يكرَّم تلك مواقف أربعة من الثقافة التاريخية التي تسجل خطاً ثقافياً للادباء والشعراء في حياتهم الادبية والشعرية وان التاريخ قمين بحفظ الامانة خلال السنين والازمان والقافلة تسير.. قافلة الادب والشعر في مسار تاريخي امين يظهر من خلاله الوزن الثقافي في انماط مختلفة ومتلونة ومتنوعة الشيء الذي يبدي اصالة هذه الامة من خلال البيان الادبي والامانة التاريخية في سجل الزمن من كتب ودواوين وسجلات امينة حافظة للعلوم والاداب والفنون كتراث حيوي وثروات معنوية وقيمية ومعرفة محفوظة في اماكن امينة ومظان في كيان ثقافتنا كأنماط للثقافة وفنونها وآدابها ومعلوماتها وقيمها التي لا تمحي ولا تضيع. فالعلم الاصل هو العلم النافع الذي يبقى عبر العصور محفوظاً بحفظ المولى: "انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون".وان النماذج التي ذكرناها في مقدمة هذه المواقف الثقافية هي انماط من غنى الثقافة العربية الاسلامية التي سجلها تاريخنا الاصيل وبسطناها من خلال هذا الحديث الادبي المبارك الذي اعتمدت فيه على بعض المراجع والمصادر التراثية كالبيان والتبيين للجاحظ والكشكول للعاملي والاعلام للزركلي والاغاني للاصفهاني فهذه هي اصح كتب الادب العربي الذي سجله التاريخ الذي يقول فيه ابو عمرو ابن العلاء ما جاءكم من علوم العرب انما هو قليل وما ضاع منها كثير. اضف الى ذلك الكتب التي ضاعت ودمرت على عدوان هولاكو لبغداد حتى ظهرت مياه دجلة بفعل المداد والاحبار الشيء الذي ضاع علم كثير ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.