ثمة من يقرع طبول الحرب في المنطقة، كما وثمة من ينفخ فيها نيران الإرهاب والتطرف والعنف الطائفي والمذهبي، ليضافوا إلى ركاب من يسعون لتخريبها بمنطق ملتو أو بمنطق عميل مأجور. فيما من اتجاه آخر، ثمة أطراف تحرص على بسط هيمنتها ونفوذها على المنطقة من الخارج. لربما هذا هو الحال المبسط والنظرة الساذجة لوضع المنطقة برمتها من إيران إلى المغرب، ومن بلاد الشام إلى بلاد اليمن. الرسائل السياسية والعسكرية والأمنية التي تخرج من المنطقة وتلك التي ترسل إليها وتدخل في عمقها الملتهب لا تقل خطورة في الكم والنوع عن رسائل التهديد والوعيد التي تتطاير فيما بين مكوناتها من الأعضاء المتوترين بهذا المنطق أو ذاك، وبتلك الأيديولوجية أو هذه. كيف لا ينخرط الحابل بالنابل في واقع يضج بمن يحملون نبال الحرب وممن يتقنون فنون العزف على مزامير العنف والدمار. لندع جانبا من برعوا في فنون النفاق والرياء والتدليس والتسويف. في هذه البيئة الداكنة في المنظر الحرجة في الواقع تقرع إسرائيل طبول الحرب بمناورات عسكرية غير مسبوقة بين كافة أجهزتها وقطاعاتها العسكرية والأمنية والمدنية. من جانبها سوريا تستنفر قواتها العسكرية وتضعها على أهبة الاستعداد تحسباً لأي عدوان إسرائيلي عليها، ومع سوريا يتخندق حزب الله في مواقعه في الجنوب اللبناني كي لا يؤخذ على حين غرة كما حدث في صيف عام 2006م. إسرائيل تتخوف من انتقام ما يوجه ضدها خصوصاً من حزب الله لمقتل عماد مغنية، ومناورتها العسكرية رسالة تهديد واضحة لكنها لم تخلُ من رسائل التهدئة والطمأنة التي بالفعل بدأت تتحرك في سماء المنطقة المتوترة لمنع تصعيد في حالة التصعيد في الأزمة القادمة. بيد أن تلك الرسائل كما أشرنا لا تخلو من نبرة التهديد بالعنف المفرط لأي محاولة انتقام لمقتل عماد مغنية. فتوسعة الأزمة وتصعيدها ووصولها إلى حافة الهاوية لا يمكن استبعادها من منطق الأطراف المتصارعة. هل يعني هذا أن الانزلاق في مخاطر تحول الأزمة من مجرد أزمة إلى حالة من حالات الحرب؟ سؤال لا يحتاج إلى إجابة طالما وجدت الإرادة وعقدت العزائم وتشنجت الأوضاع والحالات وبقيت الأصابع على أزندة وأزارير أدوات الحرب وأجهزتها. بل وطالما رفض الجميع الانصياع لمنطق السلم والسلام الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بتهدئة سياسية وتفصيل دبلوماسي عالي المستوى. الملفت للنظر مع ما يحدث من تطورات وتحركات خطيرة في المنطقة أن لغة السلام باتت ضعيفة جدا في مواجهة لغة الحرب وخطابه، لا بل إن منطق السلام أصبح ضائعاً أمام منطق القوة والعنف في خضم واقع سياسي وأمني يذخر بما ساء ويسوء من نذر الحرب. فمؤتمر أنابوليس لم يتحرك قيد أنملة مما وصل إليه من وقت حال الاجتماع، وجميع الأطراف المعنية بالصراع وضعت ترتيباته ومقرراته جانباً فيما تجلببت بدروع الحرب والاقتتال. بمعنى أدق أن طاولة المفاوضات قد خلت من روادها فيما يتسابق الجميع على أقنية وخنادق جبهات الحرب. هل يعني هذا أن الحرب قد تنهي حالة الاحتقان هذه؟ هل يمكن أن تحل الحرب عقد السياسة؟ أم أن السياسة بلغة الحرب باتت الوسيلة الوحيدة لحلحلة واقع السياسة بمنطق الدبلوماسية المهترئ؟ إن حالة اللاسلم الإرادية في المنطقة تواجهها حالة من اللاحرب المؤقتة، وهي حالة يطلق عليها في العرف السياسي بحالة الوقوف على حافلة الهاوية، وفي حال وجود مقومات ومسببات للانفجار غير المتوقع، أو حتى غير المقصود، فإن معطيات الواقع في المنطقة تتأرجح بين الحالتين كالبندول الذي يصعب توقع وقت توقفه وفي أي اتجاه يتوقف طالما واقعه أو حاله خاضع لتجاذب عنيف بين الأطراف المعنية به. الحقيقة التي يمكن استنتاجها من هذه الحال أن الجميع يعيشون حالة الوقوع في مأزق واحد، ناهيك عن حالات من المآذق الذاتية لكل طرف من أطراف الصراع، ليس وحسب لعدم وجود مخارج سياسية مضمونة لكل طرف على حدة، وبالطبع مخرج سياسي مقبول لجميع الأطراف مجتمعة، وإنما لأن ميزان العدالة الدولية ما زال مائلاً ومتحيزاً لصالح طرف واحد ضد جميع الأطراف. أياً كانت حسابات الأرباح والخسائر في المنطقة، فإنها تخضع بالكامل لحسابات الأرباح والخسائر في واشنطن بداية من أزمتها مع طهران، ومروراً بوضعها السياسي والعسكري في العراق ونهاية بواقعها الاقتصادي الداخلي، ناهيك عن ترتيباتها المتوقعة لمرحلة ما بعد طهران، ومرحلة ما بعد بغداد، ومرحلة ما بعد حزب الله، وبالطبع لمرحلة ما بعد الرئيس جورج بوش.. على كل حال هي حسابات دقيقة قد يحسن بوش أو يخطئ قراءتها وتدوينها لا بل قد يحسن أو يسيء قراءتها من يخلف بوش في البيت الأبيض.