تبدو كل توابل الحرب في المنطقة جاهزة. اذ ان كل المشكلات الباحثة عن حلول دخلت في مأزق، في ظل عملية عض اصابع ينتظر كل طرف فيها صراخ الآخر اولا. عملية السلام مع اسرائيل تكاد تتحول جثة هامدة، على كل المسارات، ولا تجد حتى من يلتقطها. فسورية المشغولة في مأزقها الداخلي لا يشكل السلام مع اسرائيل اولوية لها. والفلسطينيون عجزوا عن احراز اي خطوة جدية في طريق السلام، كما مازالوا عاجزين عن ايجاد وسيلة لعمل موحد. ولم يتمكن المجتمع الدولي، ممثلاً باللجنة الرباعية، من إحداث اي اختراق، حتى لتضييع الوقت. أما إسرائيل التي نجحت في افشال كل المساعي والافكار السلمية، فتتجه الى مزيد من خلق وقائع على الارض والى تشدد في رفض اي حقوق عربية، ما يُبعد أكثر فأكثر احتمال الحديث عن سلام. في المقابل، لا يلوح في الافق ما يشير الى ان ثمة احتمالاً لتحريك ديبلوماسي للملف النووي الايراني، لتبقى المواجهة الغربية-الايرانية مشتعلة ومرشحة لمزيد من التصعيد، فمن جهة مساع لمزيد من العقوبات والاجراءات ضد طهران، ومن جهة اخرى مساع ايرانية لمزيد من التخصيب والتحدي. وبين المتوسط والخليج، تراوح الأزمات الداخلية الحادة في مرحلة دموية، يبدو انها ستطول، ليكون التأزم وانسداد الحلول سِمَتَي هذه المرحلة التي ستستمر في غياب اي متغير كبير في معطيات الإقليم. في موازاة كل هذه المآزق، ترتفع اصوات طبول الحرب، خصوصاً في اسرائيل وإيران، وذلك مع ازدياد المناورات العسكرية والتجارب الصاروخية الطويلة المدى لدى الجانبين. في حين تقف بينهما الدول العربية متفرجة في احسن الاحوال، او غارقة في المرحلة الدموية تتلمس مخارج مستحيلة لأوضاعها. وبذلك يتسق الانسداد السياسي وغياب الحوار وانعدام آفاق السلام مع الاستعدادات لاحتمالات المواجهة التي يلقي كل طرف مسؤوليتها على الآخر، وبذريعة النيات العدوانية والخطط الحربية لديه. وقد تكون هذه الاستعدادات التي نسمع عنها كثيراً هي من موجبات مرحلة عض الاصابع وكإجراءات ردعية. لكن احداً لا يضمن إمكان انزلاقها الى ما لا تحمد عقباه في لحظة ما. خصوصاً ان الشهية للحرب لدى كل من إسرائيل وإيران قد تكون بالنسبة الى كل منهما مخرجاً من المراوحة في وضع لم يتمكنا بعد من فرض إرادتهما كاملة فيه. وربما مثل هذا الخطر كان وراء الاقتراح الاميركي ايجاد خط ساخن مع طهران، لأنه في ظل وضع متوتر ومتأزم قد يتحول اي حادث عابر الى حدث يشعل مواجهة معممة. ومن الواضح ان الولاياتالمتحدة المنسحبة من العراق والتي تعد لانسحاب من افغانستان لا تبدو مستعدة حالياً لمغامرة غير محسوبة في حال اندلاع مواجهة، خصوصاً ان المنطقة التي تعنيها، اي الخليج، لن تكون بمنأى عن مسرح العمليات، لا بل قد يكون التهديد بزعزعة هذا الامن هو ورقة الابتزاز في مرحلة عض الاصابع. هكذا يتضافر عاملا الانسداد السياسي في ظل مساعي فرض رؤية أحادية لاحوال المنطقة، والاستعدادات الحربية ليجعلا إمكان تحول طبول الحرب الى حرب فعلية، حتى وإن كان الغرض من تصعيد اللهجة العسكرية حالياً مازال يشكل احد ادوات الردع وربما ورقة تفاوض في حال بروز فرصة ما للتفاوض.