يذكّر الوضع الحالي في الشرق الاوسط، من عدوان اسرائيلي متواصل على الفلسطينيين واغتيال قادتهم وإعادة احتلال اجزاء من اراضيهم، ومن انحياز الولاياتالمتحدة الفاضح الى منطق القوة وتخليها عن عملية السلام من دون أي اكتراث بتعهداتها الدولية، ومن عجز باقي دول العالم عن القيام بمبادرة فاعلة، يذكّر بالوضع الذي كان سائدا عشية حرب العام 1973، عندما كان الأمل مفقودا في أي تسوية عن طريق المفاوضات، والعناد الاسرائيلي يقود المنطقة الى شفير الحرب، أو حتى بما كان سائدا قبل الرابع من حزيران يونيو 1967، عندما كانت آلة الحرب الاسرائيلية في عز جبروتها تنتظر اللحظة المناسبة لتنفيذ حلم التوسع الصهيوني. لقد تمكنت حكومة شارون في اسرائيل وادارة جورج دبليو بوش في واشنطن من ان تمسحا في غضون أشهر قليلة سنوات من الجهود التي بذلها العالم مجتمعا لتحقيق انفراج يغلق الباب أمام الحروب ويرسي أسس "شرق أوسط جديد"، وان تحطما كل أمل في إمكان "التعايش" مع الجسم الاستيطاني الغريب الذي روّج له بعض العرب، وقبل به آخرون من باب عدم السباحة في وجه التيار، وتستفزّا اجيالا كان يُخطط لها ان تنشأ في كنف السلام وتؤمن به وتعمل من أجله. ونجح الرئيس "عديم الخبرة" في البيت الابيض في إحراج حتى الذين حاولوا مخلصين ان يساعدوه في إكمال دور راعي عملية السلام، عندما قرر تزكية المفهوم الشاروني للسلام واختصار قضية الشعب الفلسطيني الى مجرد ترتيبات لوقف إطلاق النار. وعلى رغم من التدخلات الاميركية الخجولة التي تقتضيها سياسة "الجزرة والعصا" المطبقة مع القيادة الفلسطينية، مثلما حصل بعد الاحتلال الاسرائيلي لبلدة بيت جالا الفلسطينية، واصلت اسرائيل عملية "افراغ" سلطة الحكم الذاتي، باعتبارها ثمرة اتفاقات أوسلو التي لم تعد مقبولة بالنسبة اليها. وجاء اغتيال أبو علي مصطفى ليؤكد عدم وجود "خطوط حمر" أمام القرار الاسرائيلي وليطرح تساؤلات عن جدوى سياسة "ضبط النفس" الفلسطينية والعربية ومبدأ "عدم توفير الذرائع للعدو". لكن ما الذي حصل لغزل العام الماضي بين العرب وبوش الابن بعدما بات الاخير يتحدث باسم آرييل شارون؟ كان التقييم الايجابي لبوش يستند الى حقيقتين: ان أي شيء سيكون أفضل للعرب من بيل كلينتون، وان بوش الأب تصدى لاسرائيل في قضايا مهمة مثل المستوطنات في الاراضي المحتلة. لكن الواضح من المقارنة بين الاب وابنه ان الاول كان يتمتع بغالبية كبيرة في استطلاعات الرأي حتى نهاية ولايته تقريبا، بينما الثاني لا يملك سوى اكثرية ضئيلة ولا يستطيع تحمل تحدي اللوبي الاسرائيلي الثري. وثمة عامل آخر في المعادلة هو التنافس على النفوذ بين مستشارة شؤون الامن القومي كوندوليزا رايس ووزير الخارجية كولن باول. وهذه المنافسة "التقليدية" تذكر بمنافسات مماثلة بين مستشار الامن القومي هنري كيسنجر ووزير الخارجية وليام روجرز، وفي مرحلة احدث، بين المستشار صامويل بيرغر والوزيرة مادلين اولبرايت. فقد استأثر كيسنجر بعمل روجرز وكاد بيرغر يستولي على مهمات اولبرايت لو فاز المرشح الديموقراطي في انتخابات العام الماضي الرئاسية. وليس هناك شك في ان رايس تحاول الحلول مكان باول. ويبدو ان انحياز بوش التام الى جانب شارون وتقييمه للوضع في الشرق الاوسط نابعان مما يشاع عن تدهور الحالة الصحية للرئيس الفلسطيني ومن عجز عرفات عن اقتراح أي حل للازمة بسبب العنف الشاروني والانقسام الفلسطيني الداخلي. لكن ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن حسن عبد الرحمن اعتبر انه "لم يكن هناك في يوم من الايام اي شهر عسل بين بوش الابن والعالم العربي. لقد كان هناك بعض الامال بسبب مقاربة والده للوضع في المنطقة. لكن ادارته ضعيفة، وهناك تأثير كبير للجناح المسيحي المحافظ والجناح اليهودي المحافظ اللذين يتخذان مواقف سياسية وايديولوجية قريبة من مواقف الليكود. وبوش لا يريد ان يحكم لولاية واحدة مثل والده الذي خسر الانتخابات في 1992". واضاف: "المحافظون في الادارة مثل نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد هم المشكلة اكثر من رايس التي لا تفقه شيئا من أمور الشرق الاوسط. اذ ليس لديها اتصالات فيه وتعتمد في مواقفها على ما ينقله اليها خبراؤها". ويقول غراهام فولر المتخصص في شؤون الشرق الاوسط في "راند كوربوريشن"، وهو مركز ابحاث جمهوري نافذ، انه "حصلت خيبات أمل عدة. فالعالم العربي كان يودّ حصول تقدم على جبهات عدة، لكن رد الفعل العربي كان ضعيفا نسبيا على اقتراح شارون التبسيطي بضرورة وقف العنف اولا. لقد نجحت اسرائيل في ان تقدم المشكلة الى العالم باعتبارها "ارهابا". ودخلت واشنطن اللعبة، وتناسى الجميع حقيقة ان الارض الفلسطينية محتلة منذ 44 عاما. الاحتلال هو لب المشكلة وهو ما تتجاهله الادارة الاميركية الحالية". واضاف فولر ان خلافات رايس مع باول تنبع من كونها "تمثل البيت الابيض، في حين انه ليس هناك مبدئيا اي نصير لوزارة الخارجية"، واشار الى ان بوش ورايس مقتنعان بان "عرفات غير قادر على السيطرة على الوضع". ومضى يقول "اعتقادي ان باول يتفهم اكثر الوضع وبطريقة افضل من البيت الابيض الذي يهتم كثيرا بالتأييد الداخلي اليهودي. ان لديه مشكلات لا تعاني منها وزارة الخارجية. وبشكل عام يماهي الجمهوريون المحافظون انفسهم مع اسرائيل اكثر من المعتدلين الجمهوريين. انهم معجبون بقوة اسرائيل ومفهوم القانون-الارض، ويرون في الدولة العبرية دعما للسياسات الاميركية في العالم. المحافظون الى اي حزب انتموا ينحون الى تأييد اسرائيل". وختم بالقول "على العكس من والده، لا يعير بوش الابن كبير اهتمام للشؤون الخارجية. لكن الامر سيكون مختلفا لو ان العرب مستعدون لجعل الولاياتالمتحدة تدفع ثمن تقاعسها عن الضغط على شارون". انتقادات مصرية إذا كان الوفد المصري الرفيع المستوى الذي زار واشنطن لم ينجز شيئاً ملموساً، فإن تصريحات الرئيس الأميركي جورج بوش التي حمّل فيها الرئيس عرفات مسؤولية ما يجري، متبنيا خطاب الحكومة الإسرائيلية نفسه، لم تكن سوى إعلان اميركي عن فشل مهمة الوفد المصري في اقناع الادارة الاميركية بأخطاء اسرائيل. وبقي بوش على المستوى نفسه من التعاطي مع أزمة المنطقة، وهو مزيج من التجاهل و"الانحياز المفضوح"، حسب تعبير الرئيس حسني مبارك الذي وجه انتقادات عنيفة لواشنطن بسبب موقفها هذا الذي لا يمكن فهمه إلا على وجهه الصحيح، وهو إتاحة الفرصة الكاملة لشارون في حرب الإبادة التي يشنها ضد الشعب الفلسطيني وقياداته، والتخلي عن دور الشريك في عملية السلام، والأخطر من ذلك هو سحب ورقة "الاتصالات" من المسؤولين العرب. لكن الى أي مدى يمكن أن يذهب الخلاف المصري - الأميركي حول ملف التسوية في المنطقة؟ "الوسط" استطلعت آراء عدد من المختصين: وكيل لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشعب المصري الدكتور مصطفى الفقي اعتبر إن "العلاقات المصرية - الأميركية، على رغم استقرارها نسبياً، تمر بمنعطف له خصوصيته الآن، إذ أن سلبية الموقف الاميركي تجاه تطورات الاحداث يضع اصدقاءها في المنطقة في موقف حرج، وهو ما ينعكس على الدور المصري عربياً، كما ان هناك بعض الاحداث التي حاولت دوائر اميركية تلقفها وتحويلها الى مواقف معادية للسياسة المصرية، كان من بينها قضية الدكتور سعد الدين إبراهيم وقضية الشذوذ الجنسي والمواضيع المتصلة بما يردده بعض الاقباط في الخارج، فضلا عن بعض القضايا الفرعية الاخرى التي تُستخدم ضد صورة مصر العامة لدى واشنطن الى حد التهديد بتأثير ذلك على علاقاتها مع القاهرة". واضاف: "لا شك في ان إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون واهتمامها بالشرق الاوسط وإعطاء مصر تميزاً، أمر تفتقده القاهرة الآن. ولا ننسى أن المجلس المصري - الاميركي كان إحدى بصمات ادارة كلينتون التي تحاول القاهرة استعادة أحد مظاهرها الآن. وأتصور أن العلاقات المصرية - الاميركية في حاجة الى تدعيم تلعب فيه الولاياتالمتحدة دوراً رئيسياً لأن مصر قوة مركزية محورية دخلت منها واشنطن الى المنطقة بعد حرب 1973، كما خرجت من البوابة نفسها آخر مظاهر النفوذ السوفياتي في الفترة ذاتها تقريباً". تؤكد رئيسة تحرير مجلة "الديموقراطية" الدكتورة هالة مصطفى أن "العلاقات المصرية - الاميركية متعددة الأبعاد وواسعة ومتشابكة. وفي حين لا يوجد توتر في العلاقات الثنائية من النواحي التجارية والاقتصادية، تبرز خلافات في وجهات النظر والمواقف من عملية السلام. ومنذ مجيء بوش لم تعط ادارته لعملية السلام الأولولية التي كانت تحظى بها في الولاية الثانية لكلينتون على الرغم من توصيات ميتشل وجولات كولن باول وجورج تينيت والخطة التي اقترحها. فالموقف الأميركي ما زال متردداً، واعتقد أن هناك قصورا في ادراك طبيعة الازمة في المنطقة، خصوصاً ما يتعلق بالتوتر في الارض المحتلة. فالفهم الأميركي يدرج حتى الآن عمليات المقاومة في اطار العنف والإرهاب، ولم تدرك واشنطن انها مقاومة مشروعة ضد الاحتلال، وهنا مصدر الخلاف بين الطرفين. ولا يتوقع ان تتدخل واشنطن لاستئناف المفاوضات إلا حين تقرر إسرائيل أن العنف توقف أو انها إسرائيل ضبطت المسألة الأمنية بالتخلص من الناشطين. ومضت تقول: "سيظل الاختلاف قائما بين مصر والولاياتالمتحدة بسبب اختلاف نظرة كلا الطرفين الى الصراع القائم وسبل إنهائه. لكني اتوقع ايضاً أن تستمر الجهود المصرية من أجل تغيير الموقف الأميركي. وبالتاكيد لن تأخذ الأزمة الحالية بين القاهرةوواشنطن شكل الصدام، لأن العلاقات أوسع بكثير من هذه المسألة، ولأنه من الطبيعي وجود خلافات واختلاف مصالح، لكن هناك عوامل أخرى أو أرضية مشتركة للبلدين: الحفاظ على استقرار المنطقة ونظرة واشنطن لمصر باعتبارها دولة محورية، وهي عوامل تتجاوز التسوية وتبقي الخلافات تحت السيطرة". يلحظ استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة أن "اسرائيل حاولت دوما إفساد العلاقة المصرية - الأميركية أو استثمارها لصالحها كي تضغط مصر على السلطة الفلسطينية أو الاطراف العربية الاخرى للقبول باستراتيجية اسرائيل للتسوية. وقد أحس مبارك بالفجوة المستمرة بين الرؤيتين المصرية والأميركية الى الازمة في المنطقة، لكن على مصر مواصلة الحوار مع واشنطن لاننا ندخل مرحلة جديدة. فالتسوية تواجه مأزقا فعليا، واتفاقات مدريدوأوسلو تنهار كليا، واسرائيل مصرة على شروطها، واندلاع الحرب أمر وارد". واضاف: "الادارة المصرية تعي رغبة اسرائيل في تخريب علاقاتها مع ادارة بوش واضعافها، حتى تتحول المعونة الأميركية العسكرية والاقتصادية الى أداة ضغط على مصر. وأعتقد أن في واشنطن من يعرف بأن دور مصر الاقليمي مطلوب وأن الولاياتالمتحدة ستحاول استغلال الحاجة المصرية للدور الاميركي، والعكس صحيح، وستدخل العلاقة بين البلدين في مرحلة توتر، ولا أقول قطيعة. لا بد أن ترفع القاهرة من نبرة انتقادها لواشنطن وتمتن علاقتها مع أطراف دولية أخرى، بهدف المساهمة في بناء نظام عالمي جديد أكثر توازناً، خصوصاً أن واشنطن تدخل في تناقض مع هذه الدول لأسباب متنوعة، وعلى مصر أن تحاول رسم علاقة جديدة مع الولاياتالمتحدة". أستاذ القانون في جامعة عين شمس الدكتور حسام عيسى يلاحظ اهمالا اميركيا لمصر، ويقول: "لقد أرسلت القاهرة وفداً من دون نتيجة، ثم جاء تصريح بوش فظيعاً لم يقم فيه أي اعتبار للتدخلات المصرية، وهذا التجاهل الكامل أدى إلى انفعال الرئيس المصري. لكني أعتقد ان التصعيد موقت لأنه ليس في يد مصرأوراق كثيرة، وبالتالي فإن المدى الذي يمكن أن تذهب اليه محدود. أوضاعنا الاقتصادية محزنة والمساعدات كل سنة عليها معركة كبيرة، وبالتالي فان قدرة مصر على الذهاب بعيداً محدودة. كما أن الولاياتالمتحدة ستعود الى التدخل في ملف التسوية ولكن في الوقت الذي تحدده هي، خصوصاً أن لا خطر يهدد اسرائيل أو المصالح الاميركية من الجانب العربي الذي لا يملك أي قرار أو امكانية، كما أن قدرة مصر على الضغط على واشنطن ضعيفة وحاجة مصر للولايات المتحدة اكبر". ويؤكد عيسى أن "مصر لا تحتمل وليس لديها القدرة على الاستغناء عن واشنطن، ولهذا أسباب كثيرة منها حالة التفسخ العربي التي تُضعف الدور المصري. أنا متشائم للغاية من الأوضاع الحالية ولا أرى أي قدرات عربية في مواجهة الولاياتالمتحدة المشغولة بمحاولة اقناع الكثيرين من العرب بأن العدو هو صدام حسين وليس اسرائيل". مستشار المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط اللواء أركان حرب صلاح سليم قال ان "هناك سلسلة من التناقضات بين الموقفين المصري والاميركي من الوضع في المنطقة العربية عموما، فالولاياتالمتحدة تخلت عملياً عن عملية السلام ولم تعد وسيطاً أو عامل توفيق بين الاسرائيليين والفلسطينيين، كما أغلقت المسار السوري - اللبناني منذ عام ونصف العام. ومن الملاحظ ان وزير الخارجية كولن باول لا يستطيع توجيه السياسة الأميركية او ادارة بعض تكتيكاتها، فقد وعد الوفد المصري بالإسراع في إرسال مراقبين الى فلسطينالمحتلة وتعهد بتغيير الموقف الاميركي قبل انتهاء آب اغسطس، وهو وعد احبطته تماما تصريحات بوش التي دافع فيها عن البربرية الاسرائيلية". واضاف: "وهناك مشكلة اخرى في العلاقات هي اعتراض مصر على محاولة تدويل مشكلة جنوب السودان واخراجها من النطاق الاقليمي الى النطاق الدولي. والمسألة الثالثة هي اختلاف منطق البلدين ازاء المشكلة العراقية وإعلان مصر صراحة ضرورة رفع العقوبات الظالمة عن شعب العراق ووقف حرب الاستنزاف التي تديرها الولاياتالمتحدة وبريطانيا في مناطق الحظر الجوي غير المشروعة في شمال العراقوجنوبه. اما المشكلة الرابعة فهي الحرب النفسية والإعلامية التي دأبت جماعات الضغط في اميركا على إدارتها ضد مصر وتحاول بها التأثير على الوحدة الوطنية أو مهاجمة سياسة الحكومة ازاء الحريات الاساسية للمواطنين". وأكد سليم أن "مصر لا تأمل في حدوث تغيير في الموقف الاميركي من اسرائيل، لكنها في الوقت ذاته بدأت تنشيط علاقات التعاون مع الصين وروسيا وبعض الدول الاوروبية في اطار سياسة طويلة المدى لتعديل علاقات التحالف والتعاون بين مصر والقوى الكبرى صاحبة المصالح في الشرق الأوسط". رسالة الى دمشقوعرفات بعد يوم من اعلان وزير التخطيط والتعاون الدولي الفلسطيني نبيل شعث ووزير الخارجية السوري فاروق الشرع يومي 12 و 13 ايلول سبتمبر موعدا لأول زيارة يقوم بها الرئيس عرفات الى دمشق منذ توقيع اتفاق اوسلو قبل ثماني سنوات، اعطى رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون أوامره باغتيال الامين العام للجبهة الشعبية ابو علي مصطفى بعد نحو ثلاث سنوات على عودته من دمشق الى اراضي الحكم الذاتي. لم يكن التزامن بين هذين الحدثين مصادفة، اذ يجمع مسؤولون فلسطينيون وديبلوماسيون غربيون في العاصمة السورية على ان "أحد أسباب اغتيال هذا الهدف السهل هو توجيه رسالة الى سورية وعرفات بان طي صفحة الماضي المتوتر بينهما يعني نقل الشرق الاوسط الى مرحلة جديدة هي الحرب الشاملة وطرد الرئيس الفلسطيني من اراضي الحكم الذاتي". وعلى رغم الاعلان عن موعد زيارة عرفات واحتمال تقديمه الى يومي 9 و 10 الجاري، فان الشكوك باتت تحيط بهذه الزيارة الان بعد اغتيال مصطفى، أولا لرغبة عرفات في عدم مغادرة اراضي الحكم الذاتي، وثانيا بعدما أدخلت الادارة الاميركية سورية على خط التوتر عندما حمّلتها مسؤولية "الحفاظ على أمن الاميركيين وسلامتهم" بعد التهديدات التي اطلقتها الجبهة الشعبية ضد المصالح الاميركية في الشرق الاوسط. وكانت "الجبهة الوطنية التقدمية" في سورية قد حذرت واشنطن ايضا من "الضرر الفادح" الذي سيلحق بمصالحها نتيجة توفير "الغطاء السياسي لمغامرات اسرائيل الرعناء". وليس خافيا وجود توتر ضمني بين دمشقوواشنطن بسبب التقارب السوري العراقي. وعلى رغم حرص سورية على عدم خروج هذا التوتر الى العلن، فقد واصلت تطبيع علاقاتها مع العراق في المجالين السياسي والاقتصادي. وفي المقابل بعثت واشنطن رسائل تحذير عدة بينها قيام طائرة اميركية بالتحليق "خطأ" فوق الاراضي السورية لمدة قاربت نصف ساعة في المجال الجوي القريب من الحدود السورية العراقية، وعدم عودة السفير الاميركي السابق ريان كروكر لوداع المسؤولين السوريين بعد انتهاء فترة عمله وبقائه في واشنطن بحجة "انشغاله بتقديم ايجازات سياسية الى الكونغرس والادارة الاميركية". لكن المصادر الرسمية السورية تنفي وجود اي توتر بين البلدين وتؤكد ان الرسائل الاميركية "ايجابية". الاردن:"الترانسفير" خط أحمر يؤكد مسؤولون اردنيون ان الملك عبدالله الثاني أبلغ "موفدين" اسرائيليين بأنه لن يسمح بأي عمليات تهجير قد تمارسها السلطات الاسرائيلية مع الفلسطينيين باتجاه الاراضي الاردنية. ويذهب مسؤول رفيع الى التأكيد ان الملك عبد الله أبلغ الاسرائيليين بكل وضوح وجدية انه اذا ما شعر بخطر "الترانسفير" فانه لن يتوانى عن استنفار الجيش الاردني على الحدود مع الاراضي الفلسطينية مع استعداده لوقف مثل تلك الاجراءات بالقوة، وهذه لغة تهديد غريبة في التعامل الاردني مع الاحداث في المنطقة لكنها تعكس الهاجس الكبير الذي تخلفه الاحداث في الاراضي الفلسطينية على واقع الحال في الاردن باعتبار ان التهجير خط احمر لا يمكن السماح بتجاوزه. فهناك نسبة عالية من الاردنيين المسجلين كلاجئين في سجلات الاممالمتحدة التي تصنف الاردن كاكبر بلد مضيف للاجئين الفلسطينيين. واعتمدت الاجهزة الامنية الاردنية تدابير جديدة لعبور الفلسطينيين الى الاردن الا ان اعتراض الفلسطينيين عليها ادى الى تجميدها في الوقت الحاضر على اعتبار ان مستوى العبورعلى الجسور وبالاتجاهين لا يزال في حدوده العادية. ورغم قناعة المسؤولين الاردنيين بان عودة الامور في الاراضي الفلسطينية الى ما كانت عليه قبل اندلاع الانتفاضة أصبح وهما لا يمكن البناء عليه، الا ان اجراءات الحكومة تسير في الاتجاه المعاكس لهذا الرأي، خصوصا بعد قرار حل مجلس النواب وتأجيل الانتخابات الى الصيف المقبل. فهذا القرار جاء من منطلق سياسي وعلى قاعدة الخوف من تطور الاحداث في الاراضي الفلسطينية، لان اجراء الانتخابات في ظل الاوضاع المتفاقمة والغضب الشعبي المتنامي على الجرائم الاسرائيلية سيؤدي الى حملات انتخابية اكثر سخونة يمكن ان تفرز مجلسا نيابيا راديكاليا تزداد فيه حصة المعارضة، خصوصا بعدما أظهرت الاحداث في الشارع ازدياد قوة الحركة الاسلامية والتيارات الاصولية. وقد سجلت حالات عدة لاجتياز نهر الاردن باتجاه الاراضي الفلسطينية وتهريب السلاح، بل وحتى قيام بعض المواطنين الاردنيين بعمليات عسكرية داخل الاراضي الفلسطينية او التخطيط لهجمات مسلحة على الاسرائيليين، سواء من الدبلوماسيين أو من السياح ورجال الاعمال داخل الاراضي الاردنية. الوضع الداخلي والاحداث غير ان تقييم ما يجري في الاراضي الفلسطينية يتم في الاردن بقدر تأثير تلك الاحداث على الوضع الداخلي، خصوصا لجهة تحريك الشارع الاردني بما في ذلك أبناء المخيمات والمعارضة السياسية والنقابية التي اندفعت خلال الاشهر الاولى للانتفاضة الى التعبير عن غضبها لما يجري. ونتيجة تخوف الحكومة من انفلات الاوضاع أمنيا داخل الاردن بعد المسيرات الحاشدة التي جرت في عمان وشهدت حالات عديدة للاعتداء على الاملاك العامة والخاصة والاشتباك مع رجال الامن ووقوع جرحى وضحايا، قررت الحكومة وقف هذه التحركات الغاضبة خشية تعاظمها وتأثيرها على الاوضاع الداخلية0 واصدرت الحكومة قبل ايام قانونا موقتا للاجتماعات العامة حظرت فيه أي اجتماع عام أو تنظيم مسيرة، الا بعد الحصول على موافقة خطية من الحاكم الاداري، ملغية بذلك القانون السابق المطبق منذ العام 1953 الذي يجيز عقد الاجتماعات العامة وتنظيم المسيرات من خلال اشعار الحاكم الاداري بالنشاط المنوي اقامته من دون الحاجة لموافقته. وجاء هذا الاجراء الحكومي بعد ان أكدت محكمة العدل العليا، وهي أعلى محكمة ادارية في البلاد، ان الحاكم الاداري لا يملك حق السماح او الممانعة للترخيص للاجتماع العام حسب قانون الاجتماعات الساري. ويثير القانون الموقت احزاب المعارضة التي باتت تسجل على حكومة علي ابو الراغب خروجها عن المألوف في قضايا الحريات العامة. وفي المقابل، فان الحكومة الاردنية لا تخشى كثيرا من ازدياد حملات المطالبة الشعبية بقطع العلاقات الديبلوماسية مع اسرائيل والغاء معاهدة السلام معها، لان أي اجراء من هذا القبيل لا يمكن ان يتخذه الاردن وحده، وهذه قناعة اصبحت راسخة لدى الراي العام الذي يرى انه لا بد من قرار عربي بهذا الخصوص وفي مقدمته موافقة مصرية مباشرة. وكان الملك الاردني اشار في حديث ل"هيئة الاذاعة البريطانية" قبل اسبوعين الى انه لا يعتزم قطع العلاقات الديبلوماسية مع اسرائيل قائلا: "ان الرئيس عرفات لا يريد ان يقطع الاردن علاقاته باسرائيل كونه يعتبر ان مثل هذه العلاقات تتيح الحفاظ على قناة اتصال مع الاسرائيليين في حال اندلاع أزمة". وفي الوقت نفسه، صعّد وزير الاعلام الاردني صالح القلاب من لهجته في ادانة عمليات الاغتيال والقصف الاسرائيلية مؤكدا ان لا عودة للسفير الاردني الى تل ابيب في ظل حرب الابادة التي تمارسها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. ويشير معظم المسؤولين الاردنيين الى ان بلادهم هي اكبر متضرر من الاوضاع السائدة في الاراضي الفلسطينية، لا سيما وان الاجواء العدائية في المنطقة أثرت على الحركة الاقتصادية والسياحية اضافة الى وقف مشاريع التعاون الاقليمي التي كانت ستجلب للاردن بعض الفوائد، خصوصا في مجالي المياه والبيئة