ليس من الغلو القول بأن الفشل الذريع الذي انتهت إليه القمة الثلاثية في منتجع داود الأمريكي بعد خمسة عشر يوماً من الضغوط ولافضول من المفاوضات على الوفد الفلسطيني ليبصم على وثيقة السيادة الإسرائيلية الكاملة على القدسالشرقية، نقول إن هذا الفشل هو بكل خلجة شعور عربي، وحس ديني إسلامي ومقياس قانوني نجاح للوفد الفلسطيني المفاوض بقيادة الرئيس عرفات. وإزاء المطالب الإسرائيلية المرفوضة تماماً، لأنها قفز وتجاوز لكل التاريخ ولكل قرارات الشرعية الدولية، وكذلك إزاء الضغوط الأمريكية على الوفد الفلسطيني والتي تحولت الضغوط الأمريكية إلى مقترحات حلول جزئية هي في جملتها وجوهرها التفاف للوصول إلى إقرار السيادة الإسرائيلية على القدسالشرقية، إزاء هذا كله فإن أحداً في العالم العربي والإسلامي لا يأسف لفشل القمة، التي رفع فيها الجانبان الأمريكي والإسرائيلي لافتة اتفاق السلام كشعار بغير محتوى، في حين شارك فيها الفلسطينيون على أساس قرار عربي جماعي أكد الاتفاق على أن السلام خيار استراتيجي لجميع العرب يعملون من أجله بإخلاص في الجهد والنية والتوجه تنفيذاً لمبادئ مؤتمر مدريد في نهاية أكتوبر/ 1991م الذي بدأت منه مسيرة عملية السلام الحالية، وهي المبادئ التي يجيء في أولها مبدأ الأرض مقابل السلام وانطلاقاً من مقررات الشرعية الدولية التي تمثل مرجعية السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط لإنهاء 52 سنة من الصراع الدامي بين العرب والإسرائيليين بسبب الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني والتي تمثل القضية الجوهرية لذلك الصراع. زعم ايهود باراك بعد إعلان كلينتون إنهاء أعمال قمة كامب ديفيد معترفاً بفشلها، زعم باراك ان القمة فشلت لأن عرفات لم يستطع أن يتحمل مسؤولية التنازلات المطلوبة لإبرام اتفاق معه للسلام . وهو منطق معكوس تماماً! فالرئيس عرفات لم يسلب الإسرائيليين شيئاً يملكونه ويريدون منه رده إليهم بالتنازل عنه سلمياً ليكون الاتفاق والوفاق. باراك هو الذي يمثل الدولة التي اعتدت واغتصبت وسلبت حقوق الشعب الفلسطيني الذي يمثله الرئيس عرفات. وهي إسرائيل مطالبة بمنطق مبادئ القانون الدولي وإحكام ميثاق الأممالمتحدة، إضافة إلى قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في 22/ نوفمبر / 1997م في أعقاب عدوان الرابع من يونيو / 1967، والمبني القرار على أساس القانون الدولي ميثاق الأممالمتحدة وينص القرار 242 على: عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بطريق الحرب ، إسرائيل مطالبة بهذا المنطق بالجلاء التام عن كل شبر من الأراضي الفلسطينية والعربية الأخرى احتلته بعدوان 4 يونيو 1997م ومن ذلك مدينة القدس العربية الشرقية,, ولم تكتف باحتلالها بل عمدت في عام 1981م إلى ضمها لكيانها واعتبرتها مع القدس الغربية المحتلة حرب عام 1948م عاصمة موحدة لها. إن احتلال إسرائيل للقدس الشرقية عام 1967م غير شرعي. كما أن ضمها إلى كيانها عام 1981م غير شرعي. وتمسكها بأي جزء من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة التي احتلته عام 1967م بما في ذلك القدسالشرقية غير شرعي, وقد عبرت الأممالمتحدة، جمعية عمومية ومجلس أمن عن عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي، وعدم شرعية أي إجراءات تهويدية قامت أو تقوم بها في الأراضي المحتلة عموماً والقدسالشرقية خصوصاً في جملة قرارات يضيق هذا الخبر المحدود عن حصرها, إذن، فأبسط ما كان على رئيس وزراء إسرائيل ايهود باراك ان يعلنه في قمة كامب ديفيد هو الانسحاب من القدس الشرعية وليس مجرد التنازل لان مَن يتنازل عن شيء إنما يتنازل عن شيء يملكه ملكية شرعية يعترف بها التاريخ والحضارة والقانون والمجتمع الدولي. إسرائيل لا تملك القدسالشرقية، كما لا تملك الضفة الغربية وقطاع غزة، وليس لها فيما تحتله من أراض أي حق إلا حق القوة العسكرية، وهو ما لا يعترف به القانون الدولي والقرار 242 الذي يعتبر حقيقة المرجعية الأولى لعملية السلام في الشرق الأوسط.